عشية إقرار القانون النسبي وصوته التفضيلي، خرج من يقول «إننا سنرى العجايب» في الانتخابات النيابية المقبلة. لكن كان يصعب فعلياً رسم صورة واضحة لمقولة كهذه من دون أمثلة حيّة على ذلك... الى أن قرر التيار الوطني الحر عرض «العجايب» على مسرح «الفوروم دو بيروت» يوم السبت الماضي. هكذا، يجلس نائب كتلة المستقبل رياض رحال في صفوف العونيين الأمامية مزهوّاً بنفسه، هو الذي أبى أن ينتخب الرئيس ميشال عون، «المرشح الوصولي» و«المهووس بالرئاسة»، على حدّ قول النائب العكاري. قبيل ذلك، لم يتوانَ رحال، مرشح التيار الوطني الحر في دائرة الشمال الأولى حالياً، عن اتهام عون بالجنون والمطالبة بفتح كل ملفاته، وأوّلها «ملف شيكات الرئيس صدام حسين، ويجب أن يُسأل الجميع من أين لك هذا؟». فليكن ذلك، إذ يحدث أحياناً أن تتآمر الصدف وتُفرّغ الذاكرة استنسابياً، فيجلس الى جانب رحال مرشح التيار في كسروان نعمة افرام. يتنافس كلّ من رحال وافرام على أجمل ما في قاموسيهما من عبارات النفاق عندما يصل الحديث الى الرئيس ميشال عون. هنا، يتناسى رئيس المؤسسة المارونية للانتشار ما قاله قبل شهرين، عن أن سياسة ميشال عون في كسروان كتجارة الرقيق.
يحدث أيضاً أن يكون رئيس مجلس إدارة شركة كهرباء زحلة، أسعد نكد، العدو «الكهربائي» الأول لرئيس التيار جبران باسيل. ولسنوات، بقي الأخير يرفض استقباله، مهدّداً إياه بسحب الامتياز منه. بعد ست سنوات، يصبح نكد مرشح «التيار القوي» في زحلة، إذ وفقاً لباسيل نفسه، «من الطبيعي أن يتطلع التيار الوطني الحر إلى الأقوياء بمبادئهم وأخلاقهم وحياتهم (…) ويسعى الى التعاون مع الاصدقاء والحلفاء الذين سيعبّرون عن التزامهم بنا كما عبّر صديقنا أسعد نكد».

«الإبراء غير المستحيل»
كثيرة هي التناقضات التي سقط فيها التيار الوطني الحر، ولو أنه الحزب الوحيد الذي شكّل لوائح انتخابية قادرة على خوض معارك رابحة. لوائح تعبّر فعلياً عن إرادة جبران باسيل في الفوز بأكبر عدد من المقاعد النيابية «لتشكيل قوة داعمة للعهد»، على ما قاله خلال مفاوضاته مع رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض. الدعم الأول سدّده معوّض مسبقاً في عام 2011 عند قوله إن «ما سمّي وثيقة تفاهم بين التيار وحزب الله أدت إلى انتقال كلي للتيار إلى مشروع الحزب». لكن مع انضمامه أخيراً الى لائحة التيار في دائرة الشمال الثالثة، آثر التصفيق لباسيل خلال حديثه عن التمسك بالتفاهم مع المقاومة، فيما كان يصعب على زميله على اللائحة جواد بولس، منذ بضعة أشهر، تفهّم أسباب الخلاف بين رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وباسيل، القائم على «تنافر مصلحي حول بعض التوظيفات والحصص في بلد ينهار اقتصاده يوماً بعد يوم». تطول قائمة التناقضات بين التيار الوطني الحر والذين دأب على وصفهم بـ«تجّار المواقف»، ممن يمثلون أسوأ رواسب ما يسمى «الحقبة السورية».
وعوض أن يبدأ مسار «الإصلاح والتغيير» من الانتخابات، عبر إقفال بيوتات هؤلاء وإلزامهم بالتقاعد المبكر، يوصلهم التيار الوطني الحر ببوسطته الإنتخابية الى البرلمان المقبل. وإلا كيف لمن خطّ «الإبراء المستحيل» صفحة صفحة أن يتبنّى ترشيح رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس في دائرة بيروت الأولى، ويتباهى بضمّه الى تكتل الإصلاح والتغيير؟ وكيف لمن يريد إنهاء الإقطاع وتعزيز دور المرأة أن يضمّ مرشحاً إقطاعياً يدعى ميشال سكاف لا يرى في النساء غير «سياسة الكعوب العالية»؟ مفاخرة باسيل بأنه الوحيد الذي لم يضع فيتوات في الانتخابات، نقطة سلبية في سجله لا فضيلة.

التيار يحارب الحزب
في الإطار التنظيمي، خلط التيار ما بين الجمعية العمومية ومهرجان إطلاق المرشحين، فالتبس الأمر على الرأي العام الذي لم يفهم لماذا تقرّ موازنة شكلية لحزب في مهرجان مماثل. ولماذا كان على المسؤولة عن الشق المالي ابتداع مسرحية غير مهنية لإقرار الميزانية والموازنة عبر الطلب من أعضاء المجلس الوطني الجالسين بين الحضور رفع أياديهم لإقرارها، فكان منصور البون في طليعة المصدّقين عليها! الى جانب ذلك، طلب من مسؤول الماكينة الانتخابية نسيب حاتم الصعود الى المسرح لشرح عمل الماكينة التقني، فكان أن صعد لإغداق المديح على باسيل ورئيس الجمهورية، ليعود الى مقعده بعدها. وأيضاً بدا واضحاً أن التقرير الذي عرض إنجازات التيار على الشاشة غير موجّه للرأي العام، إذ مرّ بشكل مقتضب وسريع من دون أن يعلق منه شيء في الذاكرة، فيما كان يفترض بكلمة نائب رئيس التيار للشؤون السياسية، نقولا صحناوي، أن تكون البرنامج الانتخابي للسنوات الأربع المقبلة، ولكنها اقتصرت على استعراض مجموعة عناوين يتبنّاها التيار منذ عودة عون الى لبنان.
يصرّ التيار على وسم حركة أمل بالفساد وعلى التحالف معها في بعبدا وبيروت الثانية
يصرّ التيار على وسم حركة أمل بالفساد وعلى التحالف معها في بعبدا وبيروت الثانية


وحده خطاب جبران باسيل ــ في جزء منه ــ جاء ليعيد شدّ عصب التيار، ولو ضد حليف الأمس سليمان فرنجية، فردّ له الصاع صاعين قائلاً: «من كان ماضيه تبعية لا يستطيع أن يعدكم بالسيادة، ومن ماضيه سرقة وخوات لا يستطيع الكلام على محاربة الفساد (…) نحن خطط الطاقة وهم موتورات التعطيل، نحن خطة النفط وهم رخص المحطات، نحن الأوتوستراد الدائري وهم تزفيت الزواريب، نحن السياحة الدينية وهم البينغو، نحن خطة السير والنقل المشترك وهم رخص الفيميه، نحن الغد وهم الأمس. وكما قال الجنرال، نحن لبنان الآتي وهم لبنان الراحل».
وتوجه باسيل الى النائب السابق فريد هيكل الخازن الذي يبني شعاره الانتخابي على «غربة» شامل روكز في كسروان بالقول: «كسروان قلب لبنان، والتيار هو قلب كسروان. وأنتم من أوصل رئيس الجمهورية، فهل كان غريباً عنكم؟ لا غريب عن كسروان إلا من يخون أهلها ويبيع قرارها خارج الحدود». أما في البقاع الغربي، فتمنى باسيل أن «يربح التعايش الحقيقي على الطمع العابر»، غامزاً من قناة نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي الذي يترشح على لائحة مواجهة للائحة التي يدعمها التيار، معرّفاً عن نفسه بأنه «مرشح العهد»!
لا مبادئ ولا معايير في التحالفات واللوائح البرتقالية، وإلا ما الذي يفسّر مواجهة التيار الحر لحزب الله في بعلبك ــ الهرمل عبر لائحة تضم بعض ألدّ خصوم الحزب؟ وما معنى محاربة مرشح الحزب في جبيل ورفض التحالف معه في زحلة من جهة، ومدّ اليد إلى الحزب في كل من بعبدا وبيروت الثانية والانخراط معاً في لوائح مشتركة؟!
أكثر من ذلك، يشدد باسيل في خطابه الانتخابي على التفاهم مع «الفريق الذي نعمل معه في المقاومة لحماية البلد (أي حزب الله) ولكن ليس لحماية الفساد ولتغطية الفاسدين لينهبوا البلد». هنا ليس خافياً ما يسعى التيار إلى تكريسه في عقل جمهوره، من استمرار انتقاد حليف الحزب، أي رئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما يتحالف التيار مع حركة أمل في كل من بعبدا وبيروت الثانية.
مجدداً، لا يمكن للغاية أن تبرر الوسيلة، خصوصاً أن هناك من يصرّ عند كل مفترق على رفع راية «التغيير والإصلاح» في وجه خصومه... إن وجدوا.