عندما شكّل رفيق الحريري حكومة ما بعد انتخابات الألفين، قرر أن يمضي إحدى إجازاته على متن يخته في سردينيا. هناك استقبل طه ميقاتي وشقيقه نجيب ميقاتي (وزير الأشغال في حكومة الحريري). وبينما كان رئيس الحكومة منشغلاً باتصال هاتفي، تبادل الميقاتيان الهمس الضاحك مع أحد مستشاري الحريري ممن صودف وجودهم على متن اليخت. غادر المستشار عائداً إلى باريس، وبعد مضيّ وقت قصير، عاجله الحريري باتصال يسأله فيه عمّا كان يدور بينه وبين الميقاتيين. فهم المستشار وقتذاك من الحريري أنه لا يتحسّس من أحد ولا يرى منافساً جدياً له على الساحة السنية، ربطاً بمعادلات الإقليم والدول، سوى نجيب ميقاتي.ورث سعد الحريري خصومة ميقاتي من والده. اضطر إلى مسايرته في أكثر من محطة. يوم اتفقت الدول عليه رئيساً لحكومة الانتخابات في 2005، ثم حليفاً انتخابياً اضطراياً في عام 2009.
كان مطلوباً من نجيب ميقاتي في عام 2011 أن يلغي نفسه، لا أن يقبل برئاسة الحكومة. كان تفاوض حزب الله وباقي حلفائه معه، في تلك اللحظة، أصعب من التفاوض مع فؤاد السنيورة وسعد الحريري. حتى أداء ميقاتي في الحكومة التي سُمّيت «حكومة القمصان السود»، كان يصعب هضمه حتى من أقرب المتحمّسين إليه، كالرئيس نبيه بري. كان ميقاتي حريصاً على ألا يفسّر أيّ موقف يتخذه في خانة تقديم التنازلات. قيل كثيراً آنذاك في المجالس المغلقة: القبول بالحريري رئيساً للحكومة أفضل لنا من ميقاتي.
لا يمكن تفسير إصرار الحريري على توجيه سهام انتقاداته إلى ميقاتي، من طرابلس، أمس، إلا لأنه يدرك أن هناك من يصرّ على عدم الخروج من نادي رؤساء الحكومة وعدم تطويبها إلى الأبد للحريري أو لمن يختاره على طريقة السنيورة وتمام سلام.
غاب عن بال الحريري أن للسياسة معادلات يتقنها المبتدئون بها. فعندما قرر السعوديون مصالحة الرئيس بشار الأسد في عام 2009، كان وصول الحريري إلى رئاسة الحكومة أول مفاعيل السين ــ سين. وعندما تعقدت أمور وزارته الأولى، بفعل "الفيتو" الذي وضعه على توزير الراسبين (قاصداً جبران باسيل)، استنجد الأخير بزعيم "المردة" سليمان فرنجية، فكان أن "باع" الحريري توزير باسيل لبشار الأسد والملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز وابنه عبد العزيز.
ويوم قرر الحريري معاندة الوقائع، خرج من البيت الأبيض رئيساً مستقيلاً، بعد أن دخله رئيس حكومة بكامل الأوصاف.
غاب عن بال الحريري، أيضاً، أن عودته إلى رئاسة الحكومة لم تكن ممكنة في عام 2016 إلا لأنه قرأ جيداً معادلات السياسة. المعادلات التي جعلته يتبنّى أولاً سليمان فرنجية مرشحاً رئاسياً ثم ميشال عون رئيساً حقيقياً للجمهورية.
نعم، بالتسوية، معادلةً، عاد الحريري إلى رئاسة الحكومة، واستمر حتى يومنا هذا. وبالتسوية، وليس بأي طريق آخر، يمكن أن يعود رئيساً، وهو يرغب في ذلك، إلى حدّ المستحيل.
ومن يخالف قانون اللعبة السياسية اللبنانية، سيكون عليه أن يكرر نموذج الحريري مغترباً أو صائب سلام معتزلاً أو ريمون إده منفياً.