مع نهاية الشهر الجاري، تنتهي صلاحية التعميم الصادر عن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق (رقم 352 ص.م)، الذي أجاز للقائمقامين في القرى التي ليس فيها بلديات، منح تصاريح بناء لمالك عقار أو أحد فروعه أو أحد أصوله، من دون اتباع الأصول القانونية والتنظيمية الخاصة بإصدار رخص البناء.لا نيّة لدى الوزارة، حتى الآن، لـ«تمديد» صلاحية التعميم أو إصدار تعميم مماثل وفق ما تؤكّد مصادر معنية في الداخلية. لكن الحسم في هذا الشأن يبقى رهن الأيام المقبلة، خصوصاً أن البلاد مقبلة على موسم انتخابات.
وكان المشنوق أصدر التعميم الرابع من نوعه في 24 تشرين الأول 2017 (سبق أن أصدر ثلاثة تعاميم مماثلة منذ توليه حقيبة الداخلية في 5/5/2014، و9/10/2015، و28/7/2016). وتسمح هذه التعاميم بإضافة طابق سكني واحد كحدٍّ أقصى لا تتجاوز مساحته الإجمالية 150 متراً فوق طابق موجود أو فوق بناء سبقت إقامته بموجب التعاميم السابقة المماثلة، وبناء طابقين سكنيين بحدّ أقصى لا تتجاوز المساحة الإجمالية لكل منهما 150 متراً على عقار لا يوجد عليه بناء سكني، مع إمكانية إضافة طابق سفلي إذا كان مستوى العقار أدنى من مستوى الطريق المحاذي لواجهة البناء.

هل تقبل الإنشاءات التسوية؟

على مرّ خمسة أشهر، شرّع هذا التعميم الأبواب أمام بناء آلاف المنشآت غير القانونية التي تحتاج إلى تسوية وضعها القانوني في ما بعد، وإلّا لن يتمكّن صاحب العقار من الحصول على رُخصة إسكان لعقاره، وبالتالي فرزه أو بيعه أو حتى توريثه، بحسب ما تؤكد نقابة المهندسين في بيروت والمُديرية العامة للتنظيم المُدني. والمُفارقة أن صاحب العقار الذي أعفاه هذا التعميم من دفع الرسوم، سيضطرّ إلى دفعها ثلاثة أضعاف عندما يُريد تسوية وضعه القانوني، بحسب تصريح سابق لنقيب المُهندسين في بيروت جاد تابت.
في اتصال مع «الأخبار»، يقول المهندس المعماري المتخصص في التخطيط المدني فراس مرتضى إن التعميم فرض على صاحب العقار تنظيم تعهّد لدى كاتب العدل بتسوية وضع البناء، «ما يعني أن التعميم يُقرّ بعدم شرعية هذه الإنشاءات»، فيما لفت وزير داخلية سابق الى أن هذا التعهّد «لا يعني شيئاً، إذ إنّ التعاميم لا تُلغي القوانين»، مُوضّحا أن «تسوية الأوضاع تفرض الرجوع إلى ما تنصّ عليه قوانين البناء والمراسيم المُتعلّقة بالتخطيط المُدني وغيرها». وأوضح الوزير السابق لـ«الأخبار»: «يستطيع صاحب العقار الذي عمّر مبنى بمساحة 150 مترا ضمن عقاره أن يُسوّي وضعه القانوني في ما بعد. ولكن، ماذا عن أولئك الذين بنوا في عقار مُشترك؟». وخلص الى أن مفهوم التسوية قد لا ينطبق على الكثير من الحالات التي أنتجتها الفوضى التي تتسببّ بها هذه التعاميم، لافتاً الى «كثير من المشاكل ستنشأ بين الورثة وأصحاب العقارات المُشتركة وغيرها».

تحايل على التعميم

استثنى التعميم المدن الكبرى وغربي الأتوستراد من الأولي الى المُدفون، باعتبار أن البناء في هذه المناطق لا يستقيم من دون المرور بدوائر التخطيطات المُدنية وغيرها. إلّا أنه كان عصيّا على أهالي هذه المناطق تقبّل فكرة استفادة غيرهم من هذه التصاريح دونهم، ما أدى الى خلق وسائل للتحايل على التعميم.
في مدينة الهرمل مثلا، «وتسهيلا لأمور المواطنين»، على حدّ تعبير مصادر في بلدية الهرمل الممنوعة بموجب التعميم من منح إجازات البناء، عمدت البلدية الى عقد نوع من «الاتفاق» مع البلديات المجاورة لمنح بعض المواطنين رخص بناء على العقارات الواقعة قرب «حدود» هذه البلدات مع الهرمل، رغم أنها تقع ضمن النطاق البلدي للمدينة. اللافت ما تُشير اليه المصادر بأن هذه الاتفاقيات تتم بـ «موافقة قائد الدرك في المنطقة»، مُضيفة أن «الكثير من الرخص مُنحت عبر وساطات بالتعاون مع عناصر في قوى الأمن الداخلي».
قانونا، تقتصر مهمة عناصر قوى الأمن على تلقيّهم بلاغاً من البلدية، الجهة المانحة للرخص، كي لا يقوموا بقمع المُخالفات، بحسب ما يُوضّح مصدر قانوني مُطّلع لافتا الى أن «قوى الأمن الداخلي ليست الجهة المخولة منح تراخيص أو غيرها». أمّا بالنسبة لمنح بلديات أُخرى تراخيص بناء في عقارات خارجة عن نطاقها العقاري، فهو أمر مخالف للقانون وللتعميم على حدّ سواء.
التحايل على التعميم لا يقتصر على ذلك فقط. إذ تُفيد المعطيات مثلا أن كثيرين من مالكي العقارات عمدوا إلى بناء أكثر من ثلاثة طوابق مجموعها 150 مترا بحجة أنهم ملتزمون بالتعميم!
يُجمع عدد من المعنيين في هذا الملف على أن ممارسات التحايل هي نتيجة حتمية للتعميم «المُخالف أصلا للقانون»، لافتين إلى أن المُشكلة الأساسية في هذه التعاميم أنها تُجيز لرؤساء البلديات التفلّت من الضوابط بحجة انه «تعميم صادر من الداخلية»، موضّحين «أن قانون البلديات أجاز لرئيس البلدية منح تراخيص البناء.لكن هذه التراخيص كانت تمر عادة بالمكاتب الفنية للتنظيم المُدني أو بالجهاز الهندسي للبلديات أو غيرها». لكن، بحسب هؤلاء، «سمح هذا التعميم لرؤساء البلديات باستخدام حساباتهم الضيقة بحجة تسيير أمور المواطنين. ويكفي أن ننظر الى عدد رخص البناء التي صدرت في الآونة الأخيرة بالتزامن مع اقتراب الإنتخابات لنعرف الأهداف من وراء مثل هذه التعاميم».