في طرابلس تزدحم الشوارع بصور المرشحين. كل موسم انتخابات، بلدية ــ انتخابية ــ اختيارية، تصير المدينة «معرضاً». هنا تعلو صور لأشرف ريفي، وهناك لافتات تؤيد (الرئيس) سعد الحريري، وعلى السطوح ترتفع صور لولي العهد السعودي محمد بن سلمان (وهو غير مرشَّح للانتخابات).هذا المشهد الفوضوي للإعلانات لا يراعي القانون. البلدية في طرابلس تريد أن يصير هذا المشهد من الماضي، وعلى هذا الأساس، أصدرت تعميماً يقضي بـ«منع تعليق الصور واللافتات في الوسطيات والأملاك العامة وعلى أعمدة الإنارة والكهرباء، تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين». يبدو القرار حماسياً، و«قابلاً للتطبيق»، وتتشاركه بلدية طرابلس مع بلديات أخرى، كبيرة وصغيرة.
ولكن، في طرابلس تحديداً، يأتي التعميم في إطار حملة البلدية المتواصلة منذ سنة لإزالة شتّى المخالفات (من مخالفات تتعلّق بالإعلانات، أو بالأكشاك غير المرخّصة أو البسطات). ويتزامن مع اقتراب الانتخابات النيابية حيث تحاول المدينة تنظيم فوضى الإعلان الانتخابي. بحسب رئيس بلدية طرابلس أحمد قمر الدين، فإن الجهة المسؤولة عن متابعة هذه المخالفات وإزالتها، هي شرطة البلدية وعمالها وجهازها البلدي. ويقول قمر الدين إنّ «إزالة الملصقات المخالفة ستجري دون تمييز أو محسوبيات، وستكتفي البلدية بالإزالة من دون اللجوء إلى إجراءات قانونيّة أخرى».
التعميم يأتي في إطار حملة البلدية المتواصلة منذ سنة لإزالة شتّى المخالفات


طرابلس ليست الوحيدة. فقد وجهت قائمقام زغرتا إيمان الرافعي تعميماً إلى بلديات قضاء زغرتا، والمخاتير في القرى التي ليس فيها بلديات، يؤكّد التعميمَ رقم 3884 الصادر عن وزير الداخلية والبلديات في 28/2/2018 من حيث «عدم تعليق الصور واللافتات والصور الانتخابية على الأملاك العامة ضمن النطاق البلدي». في التعميم أيضاً، وجوب «تخصيص لوحات خاصة للإعلان الانتخابي في الأماكن العامة للبلدات لاستعمالها بصورة مجانية من المرشحين». وفي هذا السياق، تشير الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية، التي تواكب الإنفاق الانتخابي، إلى أنّ المادة 76 من قانون الاتخابات ــ التي تنظم موضوع الأماكن المخصصة للإعلانات الانتخابية ــ «لا تتطرق صراحةً إلى موضوع لصق الإعلانات مجاناً في الأماكن العامة، وفي الوقت عينه ما من حظر صريح لهذا الأمر إذا نظمته السلطات المحلية، إن كان في المادة 76 أو المادة 77 من القانون نفسه، وبالتالي إنّ القانون غير واضح ويتضمّن ثغرات لهذه الجهة».
هناك تساؤلات كثيرة حول الموضوع، أبرزها عن قدرة البلديات الفعليّة على تنظيمها للإعلانات، وهل سنشهد فعلاً تغيّراً في مشهد الفوضى المألوف؟ يشير المحامي أنطوان سعد كرم إلى أنّه يعود لرئيس السلطة التنفيذية في البلدية (رئيس البلدية في حالة طرابلس) أن يأمر بنزع الإعلانات. قانونيّاً، إن الإعلان الانتخابي المعلّق بصورة مخالفة يتيح للبلديّة أن تنظم محضر ضبطٍ بمخالفة أنظمة بلديّة ترسله إلى القضاء الجزائي الذي يغرّم المخالف، وتزيل البلدية الإعلان على نفقة المخالف. يضيف أنّ المخالف بالمبدأ القانوني هو صاحب الإعلان، أي المرشّح. غير أنّ هذا يفتح باباً واسعاً للجدل، فمن يؤكد أنّ المرشح هو من طلب تعليق الإعلانات في الأماكن المحظورة. أيضاً، ما هو الإجراء القانوني المتّخذ جراء صور للملك السعودي مثلاً معلّقة بطريقة غير قانونية؟ هل ترسل المحكمة إليه محضر ضبط؟ طبعاً لا. يقول المحامي، فهو يتمتّع بالحصانة من جهة، ومن جهة ثانية، إنّ إجراءً كهذا بحاجة للمرور عبر وزارتي الداخلية والخارجية وسفارة البلاد، وهو يشكّ في أن بلديّةً ستمرّ بكل هذه الإجراءات «من أجل إعلان»، خاصّةً أنّه في حالاتٍ كثيرة لا يكون للشخص علاقة بالإعلان الذي وضع له، أو يصعب إثبات ذلك على الأقلّ. يضيف كرم أنّ البلديات عادةً ما تكتفي بإزالة الملصقات المخالفة دون الذهاب إلى اتخاذ إجراءات قانونية، لكون الإجراءات معقّدة من جهة ولأنها قد تطاول مرشّحين ذوي نفوذ. أمّا في حالة اللافتات، فيشير إلى أنّ تعليقها يجب أن يحصل فقط في الأماكن التي تسمح بتعليق الإعلان، أي إنّ تعليق لافتة، يكون على لوحات الإعلانات بحسب القانون. فتعليق لافتة في عرض الشارع، هو أمرٌ مخالفٌ للقانون، ما لم تقرّ البلدية عكس ذلك.



المرسوم 1302

تنظَّم الإعلانات وفقاً للمرسوم التنظيمي رقم «1302 تاريخ: 15/01/2015». ويسمح المرسوم بمادته الثانية بتعليق الإعلانات في أماكن عدّة، منها ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ الجسور المخصصة لمرور السيارات وجسور المشاة، شرط ألا تتعدى اللوحة حدود الإسمنت، وألا يكون على الجسر إعلانات رسمية أو إشارات موضوعة لتحديد اتجاهات المدن والقرى. وينظّم المرسوم المسافة بين الإعلان وحدود الإسفلت فيحددها بمتر ونصف للأتوستراد، وبمتر واحد عن أي طريق ثانوية. كذلك يسمح بتعليق إعلانات داخل الملاعب الرياضية، من دون أن يزيد ارتفاع اللوحة على ارتفاع السور المبني بحيث لا تكون موجهة إلى الخارج، وداخل المجمعات السياحية، مع حد أقصى للارتفاع 200 سم عن سطح الأرض. ويسمح القانون بالتعليق، على واجهات المحال والمكاتب والمؤسسات الكائنة في الطابق الارضي، شرط أن يكون الإعلان محصوراً باسم المحل أو المكتب أو المؤسسة، وألّا يتعدى بروزه عن الواجهة 30 سم.