في خاتمة المرحلة الشهابية على امتداد عقد الستينات، على اثر خسارتها انتخابات رئاسة الجمهورية عام 1970، أقرّ المقدّم غابي لحود بمسؤوليته عنها: «انا مسؤول عن كل ما قمت به. ما قمت به بُني على الظروف التي كانت قائمة آنذاك، فأملت علينا قراراتنا. لكن ليس ثمة مهزوم واحد ولا مسؤول واحد. تضافر الظروف ادى الى ما حصل».
القت الملاحقة القضائية عليه حينذاك عبئاً كبيراً اشعره ورفاقه ضباط الشعبة الثانية بوقْع تغيّر في حجم تحوّل. قال تكراراً بعد تركه منصبه انه يريد البقاء في لبنان والعمل على احياء الشهابية مجدداً، بعد الخسارة القاسية تلك. بعد هزيمة الرئاسة المحتملة للياس سركيس، طلب من ضباطه ارتداء البزّة العسكرية والتخلص من الثياب المدنية لرجال الاستخبارات العسكرية. أٌقصيوا من مناصبهم عامذاك، ثم أُبعدوا ملحقين عسكريين في دول بعيدة عام 1971، ثم استدعيوا واحيلوا على المجلس التأديبي الذي سرّحهم. من ثم مثلوا امام المحكمة العسكرية السنة نفسها التي دانتهم واصدرت عام 1973 احكاماً بالسجن بتهم سيقت اليه ـ واليهم ـ باستغلال السلطة واهدار اموال عامة والتدخّل في الانتخابات النيابية والتعسّف ومخالفة التعليمات العسكرية والاساءة الى سمعة الجيش. في العام 1974، صدرت احكام معاكسة ببراءتهم، قبل ان يعيدهم الرئيس الذي تسبّب في محاكمتهم، سليمان فرنجيه، الى الجيش. وحده غابي لحود، دونهم، لم يشأ العودة بمرسوم الرئيس، بل بقرار من مجلس شورى الدولة يبطل مرسوم تسريحه. حازه عام 1981، واستعاد في السنة التالية رتبه المعلقة حتى رتبة عميد في عهد الياس سركيس. بعودته الى الجيش اضحى مستشاراً لرئيس الجمهورية.
على اثر تركه منصبه عام 1970، اقام عشاء تكريمياً وداعياً لرفاقه الضباط في مسقطه، بيت الدين. سألته نسيمة، زوجة سامي الخطيب، هل وجد «الخطأ الذي اقترفته الشعبة الثانية في انتخابات 1970 قاتلاً»، فأجابها: «لا، ليس قاتلاً. في السياسة نجاح واخفاق. لكنه لم يكن قاتلاً بالضرورة ويمكن تعويضه». مع صدور احكام المحكمة العسكرية ببراءتهم بعد اربع سنوات، احيا المناسبة نفسها في بيت الدين. ذكرته نسيمة بالسؤال: «هل كانت مجازفة انتخابات 1970 خطأ كبيراً؟». اجابها ببساطة: «نعم كان الخطأ قاتلاً».
منذ ذلك الحين، قرّر غابي لحود بناء حياة جديدة له خارج لبنان. لا تجمعه بماضيه العسكري والسياسي. في سنّه الـ39 سُرّح من الجيش ولم يكن قد حقّق الكثير من طموحاته. انصرف الى التجارة في مدريد واستقر هناك. على ان انتخاب صديقه القديم في الشهابية الياس سركيس رئيساً للجمهورية عام 1976 بعث الامل فيه لاستعادة ما اراده دائماً. حضر الى بيروت ومكث في القصر الجمهوري حتى عام 1983 حينما اختار وضع حد فاصل بين الماضي والحاضر والخروج من الحياة السياسية، بعدما اخفق الرئيسان المتعاقبان، سركيس وامين الجميل ـ وكان محاميه عام 1973 امام المحكمة العسكرية ـ في تعيينه قائداً للجيش. بات منذ ذلك الوقت لا يتكلّم عن ماضيه الذي شارك في صنع وقائع خطيرة في تاريخ بلده لسنوات، ويتفادى ان يتذكر ما لا ينساه ابداً: ماذا فعل ومن اجل مَن وسعياً الى اي طموح؟
في صالون بيته الجميل، المحاط بالاشجار والفسحات الخضر في مدريد، كما في مكتبه في شركته، صورتان من لبنان فقط: فؤاد شهاب مثله الاعلى، والياس سركيس صديقه منذ عام 1959. الرجلان الرئيسان. ثمة صورة واحدة له في بزّته العسكرية في زاوية لا تسترعي الانتباه.
قادته الى الشعبة الثانية عام 1959 ما سمعه فؤاد شهاب عنه: ضابط متّزن متفوّق. خضع في ولاية اوكلاهوما الاميركية لدورة في مدرسة المدفعية استمرت ستة اشهر، نجح في لفت انتباه مدرّبيه الضباط الاميركيين الى اكتشافه معادلة رياضية سُجّلت باسمه (Lahoud›s Graph) اعتمدت في المدرسة الاميركية في تسديد الرماية. شغل منصب رئيساً للفرع العسكري، ثم مساعداً لرئيس الشعبة الثانية انطون سعد حتى عام 1964.
قبل اسابيع من تسلّم شارل حلو سلطاته الدستورية، نصح له فؤاد شهاب بإبعاد انطون سعد عنه بعدما وصفه بأنه «غول قديم اخشى ان يأكلك». تمنّى عليه تعيين غابي لحود خلفاً له، فحلّ النقيب في المنصب الذي كان يعدّه له رئيسه منذ عام 1962. في الاول من ايلول عيّن رئيساً للشعبة الثانية، واستمر في رئاستها حتى 23 تشرين الثاني 1970.
بدأ مساره الفعلي في عالم الاستخبارات العسكرية منذ آذار 1962، اشهراً قليلة بعد محاولة الانقلاب التي نفذها الحزب السوري القومي الاجتماعي منتصف ليل 30 كانون الاول 1961 متعاوناً مع بضعة ضباط. عهد اليه انطون سعد في اعادة تنظيم الشعبة الثانية لمهمة غير مسبوقة: مراقبة الجيش من الداخل والمجتمع للحؤول دون تكرار محاولة انقلاب رمت الى الاستيلاء على السلطة وان اقتضى قتل الرئيس. عامذاك بدأ، لاول مرة في تاريخها، التنظيم الفعلي للشعبة الثانية شُعباً وفروعاً ودوراً، ومزجاً للامن بالسياسة، تغلغلاً في الشارع وبين الناس ومؤسسات الدولة وسوى الدولة، الايغال في كل مكان. كان ذلك اول عهد الاستخبارات العسكرية اللبنانية بلعبتي الامن والسياسة في آن.

مع غابي لحود عرفت الاستخبارات العسكرية أول عهدها في
اختلاط الامن بالسياسة


اتى غابي لحود بمعاونيه الذين سيرافقونه حتى عام 1970: سامي الخطيب ـ وكان الى جانبه منذ عام 1960 ـ وسامي الشيخة وجان ناصيف وعباس حمدان وادغار معلوف وفريد بومرعي ومنير مرعي وميشال الخوري وجورج حروق وجوني عبده وعبدالله خوري ونعيم فرح وكمال ابي عبدالله.
كان يقول لضباطه: «الشعبة الثانية جهاز مسؤول كذلك عن تفادي اخطاء رجاله وتقويم ادائهم توصلاً الى انجاح مهمتهم في الحصول على المعلومات الموثوق بها والاكيدة. ينبغي ان لا يخطئ احد بسبب قلة الخبرة والمراس. لذا على ضباط الاستخبارات ان يكونوا تحت عين الجهاز».
استعار عبارة انطوان سان اكيزوبيري: «انا لا اعاقبك انتَ، بل اعاقب الشر الذي حصل من خلالك».
ردّد مراراً: «تعاطينا السياسة كان دائماً بتكليف من المسؤولين الذين كانوا يطلبون من الجيش ـ الى مهماته ـ القيام بنشاطات سياسية خارجة عن نطاق دوره. طُلِب منا التدخّل بسبب علاقاتنا مع الجميع وتأثيرنا في القرار. لكن المدلول الجدي في ذلك كله ليس اننا مارسنا نشاطات سياسية لأنها اهداف لنا، وانما تنفيذاً لمهمة بناء على طلب السلطة ولمصلحة الخط السياسي ورئيس الجمهورية».
عُزي اليه التدخّل في تأليف حكومات. كان شارل حلو يستدعيه الى قصر بعبدا احياناً للتشاور معه في اختيار الرئيس الجديد للحكومة، ثم لا يلبث ان يطلب منه ملازمة غرفة جانبية، حتى اذا استدعى الرئيس المكلّف قال له: «انا اريدك رئيساً للحكومة، لكن الشعبة الثانية لا تريدك». في بعض الأحيان، يومئ اليه باشارة من يده الى ان رئيسها ينتظر في غرفة مجاورة.
في اولى حكومات عبدالله اليافي في عهده، 9 نيسان 1966، دعاه الرئيس الى مقابلته، وناقشه في تشكيلة حكومية ضمت يومذاك عشرة وزراء. كانت تلك سابقة حملت غابي لحود مع تأليف الحكومات التالية على الطلب الى رئيس فرع الامن الداخلي سامي الخطيب تزويده نبذات عن الاسماء المرشحة لدخول الوزارة من ملفات الشعبة الثانية، او عبر الطلب الى المخبرين جمع معلومات جديدة عنهم غير متوافرة في ملفاتها. ثم لا يلبث أن يحيلها الى رئيس الجمهورية. حال كهذه لم يسبق ان خبرها غابي لحود في عهد فؤاد شهاب. مذذاك اطلق صائب سلام على الشعبة الثانية تسمية «الايدي الخفية».
سببان وراء هزيمة الشعبة الثانية بقيادته في انتخابات رئاسة الجمهورية عام 1970: اولهما، خسارتها الانتخابات النيابية عام 1968 في اقضية لبنان بعبدا والمتن الشمالي وكسروان مسقط فؤاد شهاب حصدها الحلف الثلاثي، وثانيهما، ما سُمي فضيحة خطف طائرة ميراج عام 1969 اعد الاتحاد السوفياتي خطتها. وقع الخسارة الثانية اكثر وطأة بتجريد الشهابية والشعبة الثانية من حلفائها المحليين والاقليميين وخصوصاً كمال جنبلاط وجمال عبدالناصر. اغضبهما كشف محاولة الاستيلاء على الطائرة بلعبة ادارها غابي لحود وضباطه، بينهم الملازم اول محمود مطر الذي اوحى لديبلوماسيين سوفياتيين اثنين بمجاراتهما بغية الايقاع بهم بالجرم المشهود، وكانا وعداه بمليوني دولار لقاء قيادته الطائرة للفرار بها، فاخطر رئيسه. فاذا هي افضت الى نتيجة معاكسة مدوية سياسياً واخفاق امني باصابة احد الديبلوماسيين السوفيات في بطنه. اذذاك، دفع الياس سركيس ثمن انتخابات رئاسة الجمهورية بفارق صوت واحد.
دخل غابي لحود في سجال قاس مع كمال جنبلاط، صديق الاتحاد السوڤياتي الذي حمل على الشعبة الثانية، مبدياً استياءه من التعرّض للدولة العظمى واتهامها بمحاولة خطف طائرة الميراج. قال لغابي لحود: «السوڤيات يقولون لي ان الرجلين لم يكن في حوزتهما مسدسات؟»، فأجابه: «ايهما الاهم يا كمال بيك، حمْل سلاح أم خطف طائرة عسكرية لنا؟ هل باتت المشكلة مَن يحمل سلاحاً ومَن لا يحمله، أم تورّط السوڤيات في هذه الفضيحة؟».
ردّ فعل رشيد كرامي متساهل، قائلاً له: «ليتكم انجزتم المهمة بلا اطلاق نار».
في اليوم التالي، اتصل الملحق العسكري رئيس محطة الاستخبارات في السفارة الاميركية في بيروت بول سيڤر بغابي لحود وطلب الاجتماع به في مكتبه. قال: «انا لا اصدّق ماذا فعلتم. لم نكن لنجرؤ على القيام بذلك نحن في نيويورك لو حدث هذا الامر عندنا».
لم يكن شريكاً في اتفاق القاهرة. رأيه لضباطه ان ليس للشعبة الثانية اتخاذ موقف سياسي هو من صلاحية السلطات «لأن علينا تنفيذ الامر السياسي فقط. المسؤولون يقولون انهم قد يرون فيه خلاصاً للبنان». واضاف: «الغلطة وقعت وعلينا الآن ان نلملم الفخار المكسور».
بيد انه اضطلع بدور مباشر في اقالة اميل بستاني من قيادة الجيش واحلال جان نجيم خلفاً له، بغية تضييق الخيارات الآيلة الى تسهيل عودة فؤاد شهاب الى الرئاسة. بيد ان الرئيس السابق عزف وسمّى الياس سركيس مرشحه. قال لغابي لحود مبرّراً: «الناس يتوقعون مني المعجزات في حين ان هذه اصبحت مستحيلة، لكنها لن تتطلّب ذلك من الياس سركيس. ستساعده على العمل. سيكون في وسعي بالطاقات التي لديّ توجيهها لدعمه حتى يكون هو صاحب القرار والامر. ستستمر الآلة الشهابية وانتم قربه لتنفيذ ما يقرّره».
عندما ألحّ عليه رئيس الشعبة الثانية العودة الى الحكم «لأن الجميع يريدونك ان تعود. الحِمْل ثقيل»، صمت الرئيس المعتزل قبل ان يردّ: «يا إبني الحِمْل ثقيل علينا كلنا. لا انا ولا سواي سيكون قادراً على تحمّل ما ينتظر البلاد. لن يكون في وسعي صنع الاعجوبة. الناس سيتساهلون معه اكثر من تساهلهم معي. لو رجعت سيعتقد الناس ان المشكلة انتهت ولن يبصروا بزة مرقطة في الشارع، ولا فدائي يتمشى بها في شوارع بيروت. سيمهلونه اكثر، ولن يحاسبوه كما يمكن ان يحاسبونني انا».
وثق غابي لحود بالنواب الـ56 الذين قطعوا له عهداً بالتصويت للياس سركيس، وبينهم مَن صنعتهم الاستخبارات العسكرية وزراء، ثم نكلوا في جلسة الاقتراع.
صباح 17 آب 1970 قال لسامي الخطيب انه يعتقد ان الياس سركيس سيفوز على سليمان فرنجيه بفارق سبعة اصوات.
سأله: «ماذا لو اخفق؟».
ردّ: «الكارثة».
سرعان ما ادرك انهم خذلوه بخسارة هي فارق الصوت الواحد.
كثرت المآخذ على الشعبة الثانية لاستئثارها بإدارة الانتخابات الرئاسية عوض تركها الامر الى الزعماء الشهابيين علناً، والى الاستخبارات العسكرية سرّاً، فلا يُلقى على هذه اذذاك وزر الخسارة. غالى غابي لحود في التفاؤل بقدرة الياس سركيس على الفوز. كما وثق بأن اصوات النواب الشهابيين وحلفائهم قادرة على ترجيح الكفة، وصدّق الوعود التي قُطِعت له.
لم تكن هذه مآخذ ضبّاط الشعبة الثانية على رئيسهم فحسب، بل جاراهم فيها فؤاد شهاب الذي غالباً ما كان يلومه على افراطه في التفاؤل وفي تقدير صداقاته وعلاقاته. تشبّث رئيس الشعبة الثانية بأن العلاقة الشخصية تسهّل له استيعاب معارضيه وتحدّ من ردود فعلهم. ظل على صلات مباشرة، على وفرة اسباب التباعد والخلاف واحياناً التناقض، بغلاة مناوئي الشهابية كسليمان فرنجيه وغسان تويني والى حد ريمون اده. بيد أنه كان على قطيعة كاملة مع كميل شمعون.

استعار عبارة انطوان سان
اكيزوبيري: «انا لا اعاقبك انتَ،
بل اعاقب الشر الذي حصل من خلالك»


بدا الياس سركيس مشروعاً سياسياً لغابي لحود والشعبة الثانية. على ان فضيحة طائرة الميراج دمّرته. بسقوط المشروع السياسي انهارت الشهابية.
غداة جلسة الانتخاب، تلقى غابي لحود مكالمة هاتفية من الرئيس المنتخب سليمان فرنجيه يطلب منه وقف تدخّل الشعبة الثانية في النشاطات السياسية. لتوِّه، جمع ضباطها ورتباءها في الباحة الخارجية لوزارة الدفاع وقال لهم: «انتُخِب الوزير سليمان فرنجيه رئيساً للجمهورية. المعركة خسرناها. نحن في انتظار اوامر جديدة. من الساعة الثامنة صباح غد يعود كل منكم الى بزته العسكرية ويلبسها في العمل، ويتوقف عن اي نشاط مدني وسياسي».
في الساعات التالية، بعد زيارته الرئيس المنتخب مهنئاً، طلب قائد الجيش العماد جان نجيم من غابي لحود بأوامر شفوية الكف عن اي دور خارج نطاق الاستخبار العسكري في الجيش. في اليوم الثالث، استدعى غابي لحود ضباط فروع الشعبة الثانية في المناطق العسكرية وكرّر لهم: «لا تعاط بعد الآن في أي نشاط سياسي او مدني».
حتى ذلك الوقت، كان لباسهم مدنياً ما خلا مناسبات رسمية الزمتهم ارتداء البزة العسكرية.
ما لبث ان ذهب ضباط الشعبة الثانية الى الرئيس الجديد وهنأوه، وخرجوا على الأثر بانطباع لم يُشِع لديهم الارتياح والاطمئنان. كان سليمان فرنجيه بارداً حيالهم وكرّر العبارة نفسها: «من الآن فصاعداً توقفون نشاطاتكم السابقة كلها، وسنرى في ما بعد».
حينما عزم رئيس الجمهورية، بتشجيع من صائب سلام وريمون اده، على ابعاد الضباط الى ابعد بلدان، طرح لغابي لحود الذهاب ملحقاً عسكرياً الى تشيكوسلوڤاكيا قبل ان تتوسط شقيقته الراهبة الأم ماري برنار رئيسة دير الراهبات الانطونيات في زغرتا التي كانت تحظى باحترام كبير لدى الرئيس. كان فرنجية يناديها «اختنا الراهبة». طلبت منه ابدال تشيكوسلوڤاكيا بدولة اخرى بذريعة انها نظام شيوعي يُخشى ان يتعرّض فيه شقيقها لاعتداء بسبب دوره في احباط خطف طائرة الميراج الفرنسية.
يومذاك، قصد الملحق العسكري الاميركي بول سيڤر قائد الجيش العماد جان نجيم قائلاً له: «لا اريد التدخّل في شؤونكم. لكن هل تدركون خطورة ارسال غابي لحود الى براغ؟ ستطارده الاستخبارات السوڤياتية بسبب صفقة طائرة الميراج وستقتله».
يطوي غياب غابي لحود بعد ظهر الخميس، في هدوء على مقعده في منزله بعد ممارسته رياضة المشي، في مدريد، فصولاً لا تنتهي روايتها في اسرار حقبة ابصرت فيها «الدولة» النور في لبنان.




فؤاد شهاب لغابي لحود: ماذا تريد سوريا؟

ثلاثة اشهر بعد التحاقه بالشعبة الثانية عام 1959، استدعى فؤاد شهاب اليه رئيس الفرع العسكري في الشعبة الثانية الملازم اول غابي لحود، قائلاً له فور مثوله امامه: «اريد تكليفك مهمة مستمرة اضافة الى وظيفتك في الفرع العسكري تتطلّب اهتماماً خاصاً هي العلاقة مع سوريا».
اضاف، وهو يقلّب امامه خريطة كبيرة للبنان، ويدلّ على الحدود البرية الطويلة مع سوريا: «اريدك يا ابني أن تكون حريصاً وواعياً لعلاقتنا مع سوريا وعدم إغضابها. ينبغي ان نفعل ما يمكن أن نداريها به في التعامل معها، ولذلك اقول لك ان تعتبر نفسك سفيراً لسوريا في لبنان. اي ان لسوريا سفيراً عندنا هنا هو انت. لدينا سفير لمصر ولسائر الدول، انتَ سفير سوريا. ما اطلبه منك ليس ان تقول لي ما نريده من السوريين، بل ما يريدونه هم منا. نعرف ماذا نريد منها ولا نعرف ماذا تريد منا. السياسيون اللبنانيون كالشيخ بيار (الجميّل) يقولون لي ماذا يريدون من سوريا. لكن ماذا تريد هي؟».
قال له ايضاً: «إنظر الى حدودنا معها من الشمال الى الجنوب. نحن بين سوريا واسرائيل والبحر. حدود طويلة جداً. بسببها لا نستطيع ان نختلف معها. بصفتك ضابطاً في الشعبة الثانية، هناك زملاء لك في الشعبة الثانية السورية مسؤولون عن الموضوع نفسه مع لبنان، فاتصل بهم. إجتمع بهم. بيننا مسائل تتصل بالامن والتجسّس الاسرائيلي والحرص على الاستقرار في البلدين. اطلب منك أن تولي الموضوع الاهتمام الكامل».