في أيار المقبل، تفتتح شركة «بيال غروب» مركزها الجديد للمعارض («مركز بيروت للمعارض والترفيه» المعروف بالـ«بيال»)، في منطقة تحويطة النهر التابعة عقارياً لبلدية فرن الشّباك.نقل الـ«بيال» الذي أعطى اسمه للمنطقة التي قام عليها في وسط بيروت إلى فرن الشّباك، يأتي ضمن تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع تجاري ضخم تقدّر كلفته بـ 30 مليون دولار، سيُقام على نحو 44 ألف متر مربع، نحو 14 ألفاً منها (أقلّ من 32% من المساحة الإجمالية) ستُخصّص لإقامة مركز للمعارض سيفتتح بعد نحو شهرين.

وأوضح نائب مدير مجلس إدارة الشركة رياض جويدي لـ «الأخبار» أن المساحة المُتبقية ستخصّص لإقامة «منتزه أخضر للعائلات يتضّمن نشاطات عائلية ومطاعم ومحلات تجارية»، ومن المُتوقّع الانتهاء من تنفيذها العام المُقبل.

هل تكون الأبراج السكنية بديلاً؟

قضى المخطّط التوجيهي الذي نفّذته «سوليدير» لإعادة إعمار وسط بيروت في التسعينيات بردم البحر في تلك المنطقة بالركام الناجم عن الحرب الأهلية. وقد استولت الشركة على هذه العقارات وتملّكتها بطريقة مُلتبسة وعمدت الى تأجيرها واستثمارها. ولسنوات طويلة، شغل الـ«بيال» المكان هناك بصورة «مُخالفة» أيضاً. وبخلاف ما يُشاع، فإنّ المركز لا يشغل كل المُنشآت التي تتضمّنها المنطقة المردومة، وهو محصور بمركز المعارض والفنون فقط. لكنّه تمكّن من «فرض» اسمه على المنطقة التي باتت تُعرف به.
نقل الـ«بيال» من وسط بيروت، بعد رفض «سوليدير» تجديد عقده، يطرح تساؤلاتٍ حول مصير المُنشآت القائمة ووجهة استعمالاتها المستقبلية، ومن ضمنها الحديقة المخّصصة للعموم بحسب ما يرد في المخطط التوجيهي الذي نفّذت «سوليدير» على أساسه أعمالها في المنطقة. فحتى الآن، لا توجد معطيات تشي بنيّة إقامة هذه الحديقة. كما أنه ليس معروفاً بعد طبيعة الأعمال التي ستُقيمها شركة «sea side arena التي خلَفت «بيال غروب» في إدارة المركز.

وقد حاولت «الأخبار» التواصل مع إدارة الشركة إلّا أنها لم تلقَ تجاوبا. فيما قالت مصادر في إدارة «سوليدير» لـ«الأخبار» إنها ليست معنية بإعطاء تفاصيل حول المشاريع البديلة.
أستاذة التخطيط المُدني في الجامعة الأميركية في بيروت، منى فوّاز، تلفت الى أن وسط بيروت «خسر فُسحة ثقافية كانت تُشكّل وسيلةً لاستقطاب العموم الى قلب المدينة». وتشير إلى أن سياسة «سوليدير» القائمة على المضاربات العقارية «تثير مخاوف من إمكانية تحويل هذه المنطقة الى منطقة مُتخمة بالأبراج السكنية المخصصة للأغنياء والمُقفلة أمام أهل المدينة». إذ أن هذه الشركة «لم تعمل يوما على خلق حياة في المدينة. بل أرست، ولا تزال، نمطا من الاقتصاد الريعي والمُضاربات العقارية التي يضمن لها أرباحاً. وهي، حتى الآن، لم تزرع شجرة واحدة، فيما يقضي المخطط بتخصيص مساحة لإنشاء حديقة عامة».
بهذا المعنى، كان وجود «بيال» في وسط بيروت يُشكّل «ضمانة» للحؤول دون تحويل «سوليدير» تلك المنطقة الى منطقة مُقفلة للأثرياء. ومع انتقاله من هناك، يغدو التوجّس من البديل مشروعاً.

المشاكل إلى فرن الشباك

بالعودة إلى فرن الشباك، حيث سيقام المشروع الجديد ــــ الذي يصفه أصحابه بـ«الأخضر» ـــ على عقار كان أساسا منطقة «خضراء» تتضمّن بيوتاً بلاستيكية زراعية. «المنتزهات التي تحمل طابعاً أخضر تأتي عادة في سياق تقليص المساحات الزراعية الخضراء» على ما يرى المهندس المعماري عبدالحليم جبر. ويلفت إلى أن هذه المشاريع تجذب فئات إجتماعية محددة، والتأثير الأبرز للمشروع سيتمثّل بالتسبب في مزيد من ازدحام السير في منطقة فرن الشّباك.

نقل الـ«بيال» يطرح تساؤلاتٍ حول
وجهة استعمال
مُنشآته الحالية

ويوضح جبر أن «أي مُنشأة تخلق بطبيعتها حركة سير إضافية، خصوصاً إذا كانت ضخمة وتستقطب عدداً كبيراً من الناس».
إلى ذلك، يُجمع عدد من المتخصصين في التخطيط المُدني على أن هذا النوع من المُجمّعات يخلق مضاربات عقارية ستؤدي حُكماً الى ارتفاع كلفة المعيشة في المنطقة نتيجة طبيعة الحركة الإقتصادية التي ستخلقها، ما سيؤدي، بالتالي، الى ارتفاع أسعار السكن في هذه المنطقة. ويلفت هؤلاء إلى أن هذا النموذج بات شبه مُعمّم على كل المناطق التي تشهد إقامة مجمعّات تجارية، حيث تتغيّر كلفة العقارات والمعيشة.
ماذا عن دور البلديات في التصدي لهذه التداعيات؟ في رأي جبر، «غالباً ما تتحمّس البلديات لهذا النوع من المشاريع بسبب المردود المادي الكبير الذي تجلبه لها رخص البناء، من دون أن تُبذل جهداً في وضع ضوابط لجهة امكانية السيطرة على زحمة السير وغيرها من التداعيات»، لافتا الى أن بلدية بيروت «غنية بسبب رخص البناء في نطاقها العقاري».
من جهتها، تشدّد فواز على أنّ المناطق المُصنّفة زراعية «لا يُسمح فيها ببناء المُجمّعات السكنية وفق المُخطّط المدني. ولكن، في ظلّ غياب الرؤى الزراعية، يلجأ المُستثمرون الى بناء مراكز للمعارض أو مطاعم أو محال تجارية»، لافتةً إلى أن السياسات الحكومية «لا تزال تُمعن في إهمال القطاع الزراعي لمصلحة القطاع التجاري والإستثماري الذي يخدم الفئات من ذوي الدخل المُرتفع».