أعلن الجيش الاسرائيلي أمس بدء «المرحلة الحاسمة» من مناورة «جونيبر كوبرا» المشتركة مع الجيش الاميركي، والمخصصة لفحص جاهزية القدرة الدفاعية الاسرائيلية الاعتراضية، في وجه هجمات صاروخية معادية على اكثر من اتجاه.
المناورة التي عدّت الاضخم والاوسع ضمن مناورات جونيبر كوبرا الـ18، وهي تُنفّذ كل عامين، هدفت هذه المرة ــ اضافة الى «فحص الجاهزية الدفاعية» ــ إلى ارسال رسالة اقتدار وردع في وجه «الجبهة الشمالية» عموماً، والساحة اللبنانية خصوصاً، رغم الاقرار الضمني في السياق، وبـ«بصمة» اميركية، بعدم كفاية القوة الدفاعية الاسرائيلية الذاتية في الحرب المقبلة إن نشبت.
مصادر عسكرية اسرائيلية اشارت في «إيجاز عسكري»، أمام المراسلين العسكريين لوسائل الاعلام العبرية، الى مجريات المناورة المشتركة مع الاميركيين ودلالاتها هذا العام، مشيرة الى انها تحاكي تساقط صواريخ وقذائف صاروخية من مختلف الانواع والمديات، من ايران ولبنان وسوريا وقطاع غزة، مع فحص جاهزية المنظومات الدفاعية الاعتراضية الاسرائيلية، مثل منظومات القبة الحديدية ومقلاع داوود وحيتس، اضافة الى منظومات دفاعية اميركية جرى استقدامها اخيراً، ونشرت في انحاء اسرائيل.
الايجاز العسكري الاسرائيلي الموزع على المراسلين، يشدد على المنظومات الصاروخية في لبنان، و«هي الصواريخ الثقيلة مع رأس حربي دقيق»، وعلى ضرورة مواجهتها والاستعداد الميداني لها، مع التأكيد ان القوات والمنظومات الدفاعية للولايات المتحدة ستصل الى اسرائيل، كما يرد في محاكاة المناورة، بشكل طارئ لتقديم المساعدة الفورة والضرورية على مواجهة تساقط الصواريخ والحؤول دونها، مع الإلفات الى ان اسرائيل لم تطلب في حرب عام 2006 المساعدة الاميركية المباشرة للدفاع عنها، لكن يبدو في الحرب المقبلة التي ستشمل كل الساحات، لا مناص من طلب المساعدة.
واشار قائد منظومة الدفاع الجوي في سلاح الجو الاسرائيلي، العميد تسفي حايموفيتش، إلى انه «في حال صدرت الاوامر، فستنشر القوات الاميركية في اسرائيل وستحارب جنباً الى جنب مع القوات الاسرائيلية، سعياً لحماية اسرائيل من تساقط الصوايخ عليها».
وكان الجنرال ريتشارد كلارك، قائد القوة الاميركية المشتركة العاملة في اطار مناورة جونيبر كوبرا، اكثر «صراحة» في توصيف التهديد والاستعدادت والإمكانات المتبادلة، ضمن سيناريوات مفترضة بدا واضحاً من كلامه ان لا قدرة لاسرائيل على مواجهتها منفردة. وقال في حديث إلى القناة 12 العبرية، إن «المهمة هي تطوير قدراتنا على اعتراض صواريخ ارض ــ ارض. وهي مهمة معقدة وغير سهلة، اذ نعمل على تحديد الثغرات ونعمل على ايجاد حلول لها. نحن هنا نبني قدرة مشتركة ليوم الاختبار الحقيقي. ولهذا السبب احضرنا الى هنا قوات المارينز وسلاح الجو وحاملة طائرات كي نتدرب على عدد من السيناريوات التي تشكل تحديات قد يلجأ اليها الطرف الثاني». واضاف الضابط الاميركي: «علينا الدفاع عن إسرائيل حتى بثمن تلقي الضرر والخسائر. القيادة هي التي ارسلتنا، ونحن نؤمن باهمية المهمة، اذ ان اسرائيل حليفتنا».
في التحليل، من المفيد الاشارة الى الآتي:
لا يمكن الإنكار أن جونيبر كوبرا، بنسختها الـ18، تزيد من قدرة اسرائيل على فهم أكثر عمقاً لمخاطر وتهديدات ماثلة أمامها، سواء كانت متأتية من ساحات قريبة كلبنان وسوريا، وهما الساحتان الاساسيتان المباشرتان، او حيال اخطار ساحات بعيدة مثل ايران، الساحة الابعد والاكثر خطورة. هذه المناورة، وغيرها، تزيد من فهم اسرائيل لامكاناتها الدفاعية، وقد تتيح لها الفرصة لملاءمة هذه الامكانات كي تواجه تهديدات اعدائها وسيناريوات تفعيلها المفترضة.
الواضح ان «الاعلانات» عن المناورة وبالشكل الذي لجأت اليه اسرائيل في الايام الاخيرة، مع تثقيل للمواقف والتعليق حولها، هي رسالة ردع اسرائيلية واضحة جداً، وتأتي في سياق رسائل الردع التي يجري العمل على تفعيلها تباعاً، وتحديداً لدى تلمس اسرائيل تراجع قدرتها الردعية، او لمواجهة تحديات ترى عملياً انها غير قادرة على مواجهتها او ان كلفتها عالية لا يمكن تحملها. هذه المرة، لم تكتف اسرائيل بتظهير القدرات المادية العسكرية الموجودة لديها، كونها لم تعد تكفي لترك الأثر المطلوب في وعي اعدائها، بل عمدت الى تظهير القدرة الدفاعية الاميركية وتوثبها للدفاع عنها، وهي حركة تراجعية بامتياز، وإن كان القصد منها تظهير الاقتدار العسكري.
في الموازاة، الواضح ان اسرائيل، كما الولايات المتحدة، تقرّان كما يرد مسبقاً في فرضيات وسيناريوات المناورة، ان لا قدرة لإسرائيل على مواجهة تعاظم القدرات العسكرية لاعدائها، وتحديداً أمام تحدي الترسانة الصاروخية وتناميها وتطورها، التي تُعدّ التحدي الاول وربما الوحيد لسيناريوات المناورة الحالية. قصور اسرائيل الدفاعي، كان واضحاً في مجريات المناورة نفسها، وكذلك في تصريحات ومواقف المسؤولين العسكريين الاسرائيليين وأيضاً الاميركيين، وهذه المرة من دون أي حرج أو تَخَفٍّ وراء مصطلحات وتعابير مواربة كانت تتم مراعاتهما في سياق المناورات السابقة.
وتمثّل المناورة الحالية، الدفاعية في طبيعتها، دليلاً إضافياً على واقع تغيّر المقاربة العسكرية الاسرائيلية للتحديات والتهديدات، وكذلك لسيناريوات الحروب والمواجهة المفترضة ضد اعدائها. واضح ان اسرائيل تعاني من قصور في النظرية الأمنية مع تراجع قدرة جيشها الفعلية وانتقاله من الهجوم الإحباطي إلى الدفاع السلبي، وهو دفاع سلبي يعاني بدوره من قصور ايضاً، لكن هذه المرة، مع تراجع اضافي، من خلال الاقرار بأنها تحتاج إلى معونة ومساعدة خارجية أميركية مباشرة وملموسة، ومن دونها ستكون قاصرة عن تحقيق القدرة الدفاعية المطلوبة.