لم يكن عزوف الرئيس فؤاد السنيورة عن الترشح مجدداً للنيابة عن صيدا، آخر المطاف الانتخابي بالنسبة إلى تيار المستقبل. بعد أقل من 24 ساعة على إعلان رفضه عرض الرئيس سعد الحريري، قرر «التيار» ترشيح المستشار القانوني للنائبة بهية الحريري، محاميها الصيداوي حسن شمس الدين. بالمقارنة مع باقي الحلفاء والخصوم في دائرة صيدا ــ جزين، يبدو «المستقبل» مرتاحاً. فمن موقع القوي، تُفاوض بهية الحريري من يعرض التحالف معها، لأنها تستطيع حصد أكثر من حاصل ونصف الحاصل منفردة من دون التحالف مع أحزاب أخرى (ما يمنحها مقعدين).
وفق الأرقام الأولية، وبالمقارنة مع نتائج انتخابات 2009، يملك تيار المستقبل أصواتاً تجييرية لا تقل عن 17 ألف صوت. في حين أن الحريري نفسها أبلغت طالبي القرب الانتخابي منها بأن قاعدتها تقدَّر بنحو 23 ألف صوت، هم إجمالي من صوّتوا للرئيس فؤاد السنيورة في انتخابات عام 2009 (نالت الحريري أكثر من 25 ألف صوت). حينذاك، استقدم «المستقبل» أكثر من 3 آلاف صيداوي من الخارج ممن يعملون في مؤسسات آل الحريري، للاقتراع لمصلحة لائحة «زي ما هيي»، يضاف إليهم المئات من زملائهم العاملين في المؤسسات داخل لبنان. الغالبية الساحقة من هؤلاء صُرفت من العمل. هذا بالنسبة إلى أهل البيت. أما بالنسبة إلى الأصدقاء، وأبرزهم الجماعة الإسلامية، فإن هذا التنظيم لن يصوت هذه المرة للحريري، نظراً لترشيح أحد قيادييه عن صيدا (بسام حمود). الأمر ذاته ينطبق على رئيس بلدية صيدا السابق عبد الرحمن البزري، الذي اقترع بعض مؤيديه وقتذاك للائحة الحريري، وهو اليوم من بين المرشحين للانتخابات.
تضع ماكينة المستقبل كل الاحتمالات في الحسبان. أسوأها، لا يبدد فوز الحريري المحتم بمقعد سني وقدرتها على تجيير فائض أصوات محدود لزميلها الصيداوي حسن شمس الدين (يتوقع أن يبلغ الحاصل الانتخابي نحو 14 ألفاً على صعيد الدائرة).
يوضح شمس الدين لـ«الأخبار»، أنه إذا قرر «المستقبل» خوض الانتخابات بلا تحالفات، فسيكمل معركته إلى جانب الحريري عن صيدا ومعهما من يمثل جزين من المرشحين. في هذا الإطار، يقوم السيناريو المنفرد على نواة لائحة ثلاثية تضم الحريري وشمس الدين عن صيدا ومرشح كاثوليكي عن جزين يرجَّح أن يكون وليد مزهر. أما في حال التوصل إلى تحالف مع طرف يشترط بأن يتمثل بمرشح سني كالبزري أو الجماعة على سبيل المثال، فإن شمس الدين سيكون جاهزاً للانسحاب لمصلحة اللائحة.
التفاوض على التحالف بدأ أمس بنحو جدي. الخيارات مفتوحة على قاعدة المصلحة الانتخابية. برغم أن شمس الدين يرجِّح خوض المعركة بلا تحالفات، لكنه لا يقفل الباب أمام احتمال التفاهم مع الجماعة أو البزري (صيدا) وكذلك القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر (جزين). لا يضع تيار المستقبل في الحسبان احتمال التحالف مع الإسلاميين المتشددين ومن يمثلون حالة أحمد الأسير.
يتوقف شمس الدين عند ما يسميها «القوى الجزينية الحية» التي تملك حيثية تمثيلية، أي القوات والتيار الحر، مستطرداً بأن التحالف مع هذه القوى للتجسير بين المنطقتين «إذا لم ينضج، فليس لأننا نحن لا نريد ذلك».
جاء ترشيح شمس الدين بعد سقوط خيار ترشيح منسق «المستقبل» في الجنوب ناصر حمود. يرفض شمس الدين ما يطلقه البعض عليه بأنه «مرشح احتياط». القيادي السابق في الحزب الشيوعي اللبناني الذي التصق برفيق وبهية الحريري من دون أن ينتسب إلى تيارهما، يرى أن سبب اختياره لأن «المطلوب شخصية جدية وقادرة على خوض المعركة إلى آخرها».
لدى مسؤول العلاقات السياسية في «الشيوعي» في ثمانينيات القرن الماضي وأمين سر «المجلس السياسي» في صيدا برئاسة مصطفى سعد، سجل حافل، لم يحل دون تقربه من رفيق الحريري بدءاً من عام 1988. بالتزامن، كان قد بدأ بعملية نقد ومراجعة سياسية وفكرية، خلص بنتيجتها إلى «عدم وجود تناقض بين المشروعين (اليساري والحريري)، فاللوثة اليسارية في الانشداد لقضايا الناس لا تزال تتحكم بي حتى يومنا هذا».
كل لمحة من ماضي حسن شمس الدين وحاضره، تشبه فئة مختلفة من الصيداويين. من انتمائه إلى أسرة متواضعة ونشأته في عين الحلوة، إلى كدحه في العمل والدراسة والنضال الطلابي والسياسي ومواكبته عمليات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي وسقوط شقيقه باسم شهيداً في عملية لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في جبل الباروك ثأراً لمحاولة اغتيال مصطفى سعد واستشهاد طفلته ناتاشا، وصولاً إلى مجاورته لقوى السلطة والأثرياء. خلطة تثير جدلاً لدى الأقربين والأبعدين. أحدهم يردد أن «ابن الحلاق» يحق له أن يصبح نائباً. فالنيابة كما تصحّ لمن يقيم في «دارة مجدليون»، تصحّ أيضاً لمن يعرف حارات صيدا والناس الفقراء فيها.