«تسجّل منطقة الشرق الأوسط أعلى مستويات التفاوت واللامساواة في تركّز الدخل والثروة في العالم، إن لم نقل إنها من أكثر المناطق غير المتكافئة وغير العادلة في توزيع الدخل، إذ يستحوذ 10% من السكان البالغين على 61% من إجمالي الدخل، في حين أن 50% من السكان لا يحصلون إلا على 9% فقط.
هذه المعدّلات المرتفعة من اللامساواة في توزيع الدخل هي سمة تطبع هذه المنطقة، لم تتبدّل منذ عام 1990، ما يجعل هذا التفاوت أحد العوامل الأساسيّة، إلى جانب العوامل الدينيّة والثقافيّة والسياسيّة، التي تسهم في توليد الاضطرابات والحروب والغزوات والثورات ومختلف محاولات إعادة رسم الخريطة السياسيّة الإقليميّة».
هذه خلاصة دراسة بعنوان «قياس اللامساواة في الشرق الأوسط 1990-2016: المنطقة الأكثر تفاوتاً في العالم»، من إعداد الباحثين: توماس بيكيتي وليديا أسود وفاكوندو ألفاريدو. تعرض هذه الدراسة التقدير الأوّل (ربّما) لمستوى تركّز الدخل في الشرق الأوسط في الفترة الممتدة بين عامي 1990 و2016، علماً أن نتائجها «الصادمة» لا تعبّر عن الصورة الكاملة لحقيقة توزّع الدخل، نظراً لصعوبة الحصول على البيانات الماليّة الكاملة للبلدان، التي من المرجّح أن تسجّل نسبة أعلى من التفاوت واللامساواة، بما يدفع نحو اتجاهات متزايدة من عدم المساواة داخل هذه البلدان.
تعتمد هذه الدراسة على مصادر عدّة للمعلومات، أبرزها نتائج الاستطلاعات الخاصّة للأسر، التي استعملت لتصحيح توزيعات الدخل للفئات العليا، وبيانات توزّع الدخل داخل كل بلد من أجل تقدير توزيع الدخل على مستوى الشرق الأوسط بأسره، فضلاً عن استخدام الحسابات الوطنيّة وترتيب الثروة وبيانات ضريبة الدخل لتحليل حجم رأس المال المُعفى من الضرائب وقياس تطور متوسط الدخل ومستوى تركّزه في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من تدني نوعية مصادر البيانات المتاحة، وخصوصاً في دول الخليج، بحسب ما يشير الباحثون، إلّا أن التحاليل تقود إلى الاستنتاجات المُقدّمة حول انعدام المساواة بمستويات هائلة في الشرق الأوسط.

أعلى المستويات وأشدّها وأطولها

بحسب النتائج التي توصّلت إليها هذه الدراسة، «تعاني منطقة الشرق الأوسط من تركّز شديد في الدخل والثروة، وهي النسبة الأعلى في العالم. يستحوذ 10% من السكان البالغين الأكثر ثراءً (25 مليون شخص) على 61% من إجمالي الدخل، فيما تبلغ حصّة الـ50% الأكثر فقراً نحو 9% من الدخل، مقابل 36% للـ10% الأكثر ثراءً في أوروبا الغربيّة و18% للـ50% الأكثر فقراً، و47% للـ10% الأكثر ثراءً في الولايات المتحدة و12% للـ50% الأكثر فقراً».

تضمّ بلدان الخليج 15%
من سكان الشرق الأوسط وتستحوذ على نصف الدخل فيه


أيضاً، يتبيّن أن التفاوت في الدخل في الشرق الأوسط هو «أعلى بكثير من البرازيل، التي تعدّ من أكثر البلدان تفاوتاً ولامساواة في توزيع الدخل في العالم وآخر الدول التي ألغت نظام العبوديّة، إذ تبلغ حصّة الـ10% الأكثر ثراءً فيها نحو 55%. كذلك يتفوّق على مستويات عدم المساواة في البلدان التي تضمّ أعداداً أكبر من السكان مثل الصين، حيث تبلغ حصّة الـ10% الأكثر ثراءً نحو 41%، والهند حيث تبلغ حصّة الفئة نفسها نحو 53%».
أكثر من ذلك، عند تحليل مستويات تركّز الدخل، يتبيّن أن «معدّلات الشرق الأوسط مرتفعة وتتخطّى كل المستويات المسجّلة. إذ يستحوذ 1% من الأكثر ثراءً (2.5 مليون) على 26% من إجمالي الدخل، مقابل 12% في أوروبا، و20% في الولايات المتحدة، و27% في البرازيل»، علماً أن هذه النتائج قابلة للارتفاع، وصولاً إلى «استحواذ الـ10% الأكثر ثراءً على أكثر من 70% من إجمالي الدخل، لكون المعلومات الموثوقة نادرة جداً، ولأن القوائم المنشورة لا تشمل الثروة التي تملكها الأسر الحاكمة ورؤساء الدول، فضلاً عن أن هناك مبالغ كبيرة من الثروة مفقودة بسبب الاستخدام الواسع للملاذات الضريبيّة والحسابات المصرفيّة الخارجيّة، إذ تعدّ دول الشرق الأوسط، وخصوصاً الدول الغنية بالبترول في الخليج، من بين أكبر زبائن تلك المؤسّسات الماليّة الخارجيّة».
ويبرز من تطوّر عدم المساواة في الدخل في الشرق الأوسط بين عامي 1990 و2016، أن «تركّز الدخل ثابت على مستويات عالية (الأعلى عالمياً) ولم يسجّل إلّا تراجعاً طفيفاً بما لا يؤثّر بحدّة اللامساواة، إذ انخفضت حصّة الـ10% الأكثر ثراءً من 66% عام 1990 إلى 61% عام 2016، فيما تراجعت حصّة الـ1% الأكثر ثراءً من 31% إلى 26%، وارتفعت حصّة الـ50% الأكثر فقراً من 7% إلى 9%.

الخليج يتفوّق في اللامساواة

تقسم الدراسة دول الشرق الأوسط إلى خمس كتل: تركيا، إيران، مصر، المشرق العربي (يضمّ العراق وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين واليمن)، والخليج (يضمّ السعودية وعمان والبحرين والإمارات وقطر والكويت). ويتبيّن أن انعدام المساواة في مستواه الأول يظهر بين دول الخليج الغنية بالنفط ودول الكتل الأربع الأخرى الغنية بالسكان، ومن ثمّ ينسحب على دول الكتل الأربع الأولى في ما بينها نظراً لاختلاف مستويات الإنتاج بما يؤثّر بمستوى الدخل ومدى تركّزه. (الجدول المرفق)
تربط الدراسة هذه النتائج بـ«طبيعة العلاقات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والبنيويّة في دول الشرق الأوسط ومستوى النمو المحقّق فيها». في الواقع، لقد شهد الشرق الأوسط نمواً سكانياً سريعاً، ارتفع مجموع السكان بنحو 70% بين عامي 1990 و2016، من أقل من 240 مليون إلى ما يقارب الـ410 ملايين. في المقابل، كان الارتفاع المسجّل في متوسط الدخل المحلي أكثر تواضعاً، وفي حالة ركود، إذ ارتفع من 9 آلاف إلى 10 آلاف يورو، فيما ارتفع متوسط الدخل المحلي من حيث تعادل القوة الشرائيّة من 20 ألف إلى 23 ألف يورو (أي بنسبة 15% تقريباً). إلّا أن ارتفاع متوسط الدخل من حيث تعادل القوة الشرائيّة لا يعبّر عن مستويات معيشيّة مرتفعة، بحسب الدراسة، لكون هذا التحسّن مربوطاً بتدفّقات عائدات النفط.

تفاوت بين البلدان

من هنا، يمكن ملاحظة حجم التفاوت بين دول الخليج وباقي دول الكتل الأربع، إذ تضمّ البلدان الخليجيّة 15% من سكان الشرق الأوسط البالغين (37 مليون نسمة) ويستحوذون على 47% من إجمالي الدخل في الشرق الأوسط، مقابل حصول الـ85% الموجودين في الكتل الأربع الأخرى (215 مليون شخص) على 53% من إجمالي الدخل في الشرق الأوسط، علماً بأن متوسط الدخل لناحية القوة الشرائيّة في الخليج يشكّل 42% من إجمالي معدّل الشرق الأوسط، ونحو 58% في الكتل الأربع الأخرى.
هذه الفجوة كانت أكبر في عام 1990، عندما كانت حصّة الخليج من السكّان تشكّل 10%، وتستحوذ على 48% من إجمالي الدخل في الشرق الأوسط. ويعزو سبب الهبوط الطفيف في فجوة الدخل بين دول الخليج وباقي دول الشرق الأوسط، إلى تطوّر أسعار النفط ومستويات الإنتاج، وخصوصاً في تركيا، بما حسّن قيمة عملتها المحليّة، إلّا أن العامل الأهم يعود إلى تدفق العمالة الأجنبيّة إلى الخليج (يشكّلون 60% من السكان)، ما رفع نسبة السكان من 10 إلى 15% بين عامي 1990 و1996، وأدّى بالتالي إلى انخفاض طفيف في معدّل الدخل المحلي.
ونتيجة لذلك، تبرز في دول الخليج مجموعتان: الأولى تضمّ السعودية وعمان والبحرين، حيث يشكل المواطنون نحو 55% من السكان مقابل 45% من الأجانب، والمجموعة الثانية تضمّ الإمارات والكويت وقطر، حيث تبلغ نسبة الأجانب 90%، علماً أن المجموعة الثانية تشكّل ثلث سكان الخليج. وبحسب الاستطلاعات الخاصّة للأسر، يتبيّن أن نسبة دخل المواطنين إلى الأجانب في المجموعة الأولى تبلغ 160%، وهي قابلة للارتفاع كثيراً، لكونها تستند إلى بيانات دخل البحرين وعمّان لعدم توافر بيانات عن السعوديّة. أمّا في المجموعة الثانية، فتبلغ 350%، ويعود ذلك إلى الأجور المتدنية للأجانب وأغلبهم في قطاعي البناء والخدمات المنزليّة، بما ساهم بتكوين مواطني هذه البلاد ثروات كبيرة، فضلاً عن استفادتهم من مكونات دخل مستبعدة وأرباح غير موزّعة في الشركات النفطيّة.
أيضاً، يبرز تفاوت في الدخل والقوة الشرائيّة بين دول الكتل الأربع الأولى. ففي تركيا وإيران يشكّل متوسط الدخل من حيث تعادل القوة الشرائيّة نحو 50-60% من المتوسط في أوروبا الغربيّة، مع ارتفاع كبير في الدخل التركي خلال الفترة الممتدة بين 2001 و2015 نتيجة تحسّن معدّلات الإنتاج وقيمة الليرة التركيّة على النقيض من الركود الإيراني. أمّا في مصر ودول المشرق العربي، فيرقد متوسط الدخل من حيث تعادل القوة الشرائيّة عند مستويات أقل بكثير تقدّر بنحو 30-40% من متوسط غرب أوروبا، ويضاف إليه ركود بنسبة 10-15% بمعدل الدخل المحلي.




10% يستحوذون على 70% من الدخل

لا تعبّر النتائج المعروضة في الدراسة عن الصورة الكاملة لحقيقة توزّع الدخل، فالمعلومات لا تشمل الثروة التي تملكها الأسر الحاكمة ورؤساء الدول، كذلك إن أثرياء الشرق الأوسط هم من بين أكبر زبائن الملاذات الضريبيّة والمؤسسات المصرفيّة الخارجيّة.

="" title="" class="imagecache-465img" />
للصورة المكبرة انقر هنا