لا يمكن فصل تعامل الخارج مع الملف اللبناني بمعزل عن نتيجة الانتخابات النيابية. يسري ذلك على المؤتمرات الدولية الداعمة للبنان وعلى برامج المساعدات، خصوصاً للمؤسسات العسكرية والأمنية.
في هذا السياق، عزا السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشييه، سبب إرجاء زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «إلى ارتباطات سابقة»، إلا أن المطلعين على الأسباب الكامنة وراء التأجيل، يلمّحون إلى عاملين أساسيين:
الأول، عدم لحظ دوائر الإليزيه عندما حددت الموعد المبدئي لزيارة ماكرون، أنها ستأتي وكل القوى السياسية اللبنانية في حالة انشغال مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في السادس من أيار القادم، خصوصاً أن زيارة ماكرون، كانت ستحصل في 12 و13 نيسان المقبل، أي قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات، وبالتالي التوقيت ليس موفقاً ولا ضير في تأجيل الزيارة إلى ما بعد الانتخابات.
الثاني، مصادفة موعد الزيارة مباشرة بعد انعقاد مؤتمر «سيدر» في 6 نيسان، الذي يحظى بمتابعة استثنائية من ماكرون شخصياً ومعه دوائر الإليزيه، وخصوصاً لجهة العمل على حشد أوسع مشاركة فيه لتحقيق أفضل النتائج الممكنة، وبالتالي من المفيد انتظار تبلور نتائج المؤتمر ومفاعيله وتكوين خلاصة لما سيحققه، ليصار خلال الزيارة الرئاسية الفرنسية البناء على النتائج وتطويرها ورفدها بالمزيد من الدعم الفرنسي الذي قد يترجَم توقيع بروتوكولات واتفاقيات ثنائية بين لبنان وفرنسا.
وفق المطلعين أنفسهم، فإن الرئاسة الفرنسية بقرار إرجاء الزيارة «كانت شديدة الحرص على ألا تعطي الزيارة، لو حصلت في الموعد المقرر، نتائج عكسية، خصوصاً أن القوى السياسية اللبنانية على أبواب الانتخابات النيابية، قد تستخدم كل الأسلحة الانتخابية المشروعة وغير المشروعة من دون النظر إلى الارتدادات السلبية لذلك على القطاعات الاقتصادية اللبنانية، حتى وصل الأمر بالبعض إلى التهويل بالملف الاقتصادي ورسم صورة سوداوية عن مستقبل الوضع الاقتصادي والمالي سعياً لتحقيق مكاسب انتخابية، وليس من المحبذ أن تحصل الزيارة في خضم المزايدات الانتخابية».
ولكن متى ستجري الزيارة؟
يجزم المطلعون بأن الزيارة الرئاسية «ستدرج على أجندة مواعيد الإليزيه في شهر حزيران المقبل، على أن تحصل خلال العام الحالي، بعدما يكون ماكرون قد سبر غور التوجهات الأميركية في قمته المرتقبة مع الرئيس دونالد ترامب، ومن المؤكد أن لبنان سيحضر في المحادثات من زوايا مختلفة، أبرزها الأزمة السورية وتداعياتها على دول الجوار، ومستقبل عملية السلام في الشرق الأوسط، وتطورات الملف الحدودي (البري والبحري) بين لبنان وإسرائيل.
لذلك، يرى المطلعون أن تأجيل الزيارة إيجابياته أكبر من سلبيته، لأن من الأجدى حصولها بعد إنجاز مؤتمرات الدعم الثلاثة من أجل لبنان (سيدر في باريس، ودعم الجيش والقوى الأمنية في روما، والنازحين في بروكسل) وصدور نتائج محددة عنها، وأيضاً من الأفضل أن تحصل بعد ولادة مجلس نيابي جديد وتشكيل حكومة العهد الثانية «التي ستكون، على الأرجح، الأطول عمراً في عهد الرئيس عون، مع عدم استبعاد أن يكون الموعد المنتظر لزيارة ماكرون عامل ضغط إيجابي للإسراع في تأليف الحكومة الجديدة وعدم الدخول في حلقة مفرغة من المطالبات تطيل أمد تشكيلها».