تجتاح لبنان اليوم ظاهرة حجز وطلب سيارات الأجرة من خلال التطبيقات الإلكترونية. خدمة توصيل ساهمت شركتا «أوبر» و«كريم» بنشرها في العالم العربيّ، الى أن دخلت الى السوق اللّبنانية عام 2014. فما هي الآلية المنتهجة من قبلهما وكيف تُحتسب التعرفة المعتمدة؟ وهل أثّرت التكنولوجيا على سيارات الأجرة العمومية وعلى السوق التقليدية في لبنان؟
بدايةً، يُذكّر جاد أبي ناصيف، مدير عمليات «كريم» في لبنان، أنّ هذه الشركة الرائدة في حجز سيارات الأجرة الخاصة «تأسّست في دبي عام 2012 وبدأت عملها في لبنان عام 2014. وهي اليوم من أكبر الشركات الناشئة في المنطقة في مجال خدمة حجز سيارات أجرة عن طريق التطبيق أو على الموقع الإلكتروني، وتعمل في أكثر من 80 مدينة في 13 بلداً في الشرق الأوسط، شمال إفريقيا، تركيا وباكستان». تتوفّر خدماتها حالياً في بيروت الكبرى وطريق المتن العام، بالإضافة الى منطقة جونية. وتحرص الشركة دائماً على توسيع نطاق عملها لتسهيل النقل. وعن الإقبال عليها، يقول: «اللبنانيون معروفون بحبّهم لكل ما هو جديد، خصوصاً في مجال التكنولوجيا، لذلك لم يكن من الصعب جذب المستهلك اللبناني لاستخدام كريم، بل كانت عمليّة تعلّقه بالخدمة سريعة جداً إذ إنّه سرعان ما اكتشف كم تسهّل حياته اليومية وتوفّر عليه أعباء عديدة مثل كلفة الفاليه وصعوبة ركن سيارته الخاصة في أي مكان، خصوصاً في بيروت وغيرها.

تعرفة وفق العدّاد

تحوّل هذه الشركات الأموال
التي تجنيها بالدولار
مباشرةً الى الخارج

وتوفّر الخدمة لعملائها خيار حجز السيارة «الآني» أو «اللاحق» بأسعار مقبولة، مقدمة ثلاثة خيارات للسيارات: اقتصادية، حجم كبير و«برايم» وفق خيارات للدفع سهلة ومناسبة حسب أبي ناصيف الذي يضيف: «تُحدَّد تعرفة كريم وفق عدّاد بحسب المسافة والوقت المقطوعين خلال الرحلة. إنّها الطريقة الأنسب والأكثر وضوحاً للركاب وهي تحميهم من أي تلاعب، خصوصاً إذا كانوا قادمين من الخارج ولا يعرفون التكلفة المعتادة للنقل وسيارات الأجرة المحلّية. يعتمد تطبيق الكابتن (السائق على منصتها) على نظام جي. بي.أس ليحسب مسافة الرحلة ومدّتها لتحديد التعرفة. ويختلف السعر بحسب نوع السيارة ويمكن للراكب التحقّق منه عبر التطبيق». وتمثّل الخدمة منصة لسائقي التاكسي العمومي «الموثوقين» ليتمكنوا من العثور على زبائن في وقت أقل وبأقل جهد ممكن. كما توفّر شركة كريم للسائقين برامج تدريبية للقيادة وخدمة الزبائن وفرصاً للتقدم في المهنة من خلال التحكم بساعات العمل. وتعمل على الارتقاء بمستوى معيشتهم عبر تقديم التسهيلات والحوافز. كما تسعى الى «تحسين إقامة السياح في لبنان إذ إنّهم أصبحوا يفضّلون استخدام التطبيق بدلاً من استئجار سيارة وقيادتها على طرقات بيروت المكتظة».

الآلاف أسبوعياً

من جهة أخرى، وبالانتقال الى منافسها الأوّل، ومنذ انطلاقها وتسجيلها الرسميّ في لبنان خلال شهر آب 2014، حمّل مئات الآلاف من المواطنين تطبيق «أوبر» وانضمّ آلاف السائقين الى الشركة سعياً وراء فرصة عمل مرنة بدوام جزئي فأصبحوا شركاء لها في تلبية طلب المستخدمين.

ويشير متحدث باسم «أوبر» الى أنّ الشركة تتطوّر باطراد كل سنة في لبنان، فتُؤكّد يومياً أنها باتت أكثر شعبية نظراً للأمان والراحة والسهولة التي توفّرها الخدمة، «إذ تنقل كلّ شهر عشرات الآلاف من الأشخاص حول بيروت. ويختارها الآلاف أسبوعياً في العاصمة، ويمكنك طلب توصيلة في غضون دقائق في وسط المدينة». وتعمل الشركة بشكل دائم لجعل الخدمة متاحة في كلّ مكان ولكلّ شخص. ويضيف المصدر نفسه: «مؤخراً، توسّعنا لتغطية مناطق المتن وغيرها من الأمكنة لتحسين تواجدنا فيها والتأكد من أنّ الناس سيحصلون على أوبر متى أرادوا. وتُركّز الشركة على تأمين عروض موثوق فيها وبسعر معقول، وهو ما يتأثر بعوامل عدة مثل الوقت، المسافة المجتازة، زحمة السير وتوفّر السائقين».
ويشرح متحدث باسم «أوبر»: «نتعامل مع أكثر من 2500 سائق ــــ شريك من خلال التطبيق بالتوازي مع الطلب المتزايد. وسنستمرّ بالدعوة الى استعمال التكنولوجيا والاستفادة من الفرص التي يتيحها الاقتصاد الرقمي. ونؤمّن فرصاً للسائقين الذين يرغبون بالعمل في أوقات يختارونها بأنفسهم. ونعتمد على نظام تقييم يسمح للراكب بتقييم التوصيلة وفق سلّم من 1 الى 5 ويمكنه إعطاء تقييم محدّد. كما نتيح للسائق أيضاً تقييم الراكب. وتجدر الإشارة الى اعتماد الشركة على الشفافية مع زبائنها ومن خلال ميزات التطبيق التي تتيح التنسيق مباشرة بين الراكب والسائق بهدف تلبية الطلب بشكل سريع». ووفق المصدر نفسه، لا تتعامل الشركة إلّا مع المركبات المُرخّصة.

النقابات تستنفر وتواجه

تثير هذه الخدمة حفيظة نقابة السائقين. ويعتبر مروان فياض، رئيس الاتحاد العامّ لنقابات السائقين وعمال النقل في لبنان أنّه، إضافة الى «امتلاك أوبر وكريم أرقاماً حمراء، تلجأ الشركتان الى لوحات التأجير الخضراء والى السيارات الخصوصية»، لافتاً الى تدني أسعارها وعدم التزامها بتعرفة وزارة النقل، إذ أنّ «تكلفة التوصيلة التي تقدمانها من الأشرفية الى الحمرا هي 3$ بدلاً من 10000 ليرة لبنانية. من هنا، تقف شركات التاكسي في مواجهتهما. وقد احتجّ الاتحاد منذ فترة، وهو في صدد التصعيد والتحضير لاحتجاج أكبر عبر جمع أصحاب مكاتب التاكسي للاتفاق على التحرّك». ويرى فياض أنّ هذه الشركات تحوّل الأموال التي تجنيها بالدولار مباشرةً الى الخارج. ويلفت الى أنّ «وزارة النقل رفعت دعوى قضائية عليها. وحذا حذوها الاتحاد نظراً لعدم التزامها بالقوانين لكونها تملك سيارات تأجير وسيارات خصوصية، إضافة الى عدم التزامها بتعرفة النقل»، مضيفاً: «اجتمعوا معنا في النقابة، فوضعنا شروطاً عليهم تمثّلت بالالتزام بتعرفة النقل وباعتماد السيارات ذات الأرقام الحمراء، لكنهم لم يلتزموا بها. كما سبق ووقّعوا تعهداً بالالتزام بالقوانين وبتعرفة النقل لكنهم لم يلتزموا به أيضاً». وعن مدى مجاراة شركات التاكسي في لبنان لهذه الظاهرة عبر خفض تعرفتها، يشرح أنّ البعض امتثل فيما البعض الآخر لم يخفّض تعرفته.
في المقابل، يؤكّد أبي ناصيف أنّ شركة «كريم» تعمل في لبنان مع السيارات المرخّصة للنقل العام فقط (اللوحات الحمراء)، «الأمر الذي يسهّل علينا تطبيق قوانين النقل العام المحليّة. ولكن لا يجب أن ننسى أنّنا شركة تكنولوجية أوّلاً، وسرعة التكنولوجيا تفوق سرعة الأنظمة بأشواط، لذلك جهودنا في الامتثال للقوانين هي عملية مستمرّة نركّز كل جهودنا عليها».

حيل الكابتن

وعن مدى التزام الشركة بالتعامل مع السيارات العمومية وحدها، حمّلنا التطبيق واستخدمناه على مدى ثلاثة أيام متنوعة، ومع سائقين مختلفين في وجهات متنوعة، فتأكدنا من التزام «كريم» بالتعامل مع السيارات ذات اللوحات الحمراء، إلّا أننا لاحظنا من ناحية التعرفة أنّ حجز السيارة قبل ساعة مثلاً يزيد حوالى 4$ على سعر التوصيلة وهو غير محدّد في التطبيق الذي يقدّم أحياناً حسومات يخال العميل أنها تضاف مباشرة الى حسابه، غير أنّ الاستفادة منها لا تتمّ إلّا بعد استعمال الشعار المرافق لها أو الضغط عليها. ومن المآخذ الملاحظة عدم إمكانية التواصل مع الشركتين إلّا عبر الانترنت بغياب رقم هاتف يمكن أن يلجأ اليه العميل، وهو ما يجعل من التطبيق خدمة موجهة الى فئة الشباب أولاً لكونها الأكثر قرباً من التكنولوجيا وملحقاتها.
ووقوفاً عند رأي السائقين أنفسهم، أخبرنا اثنان من هذه العينة العشوائية أنهما يعملان في الوقت نفسه مع الشركتين، فيكون السائق متوفّراً لدى الأولى وغير متوفّر لدى الأخرى حسب الطلب الظاهر. كما يتّفق أحياناً السائقون بشكل مسبق على إظهار انشغالهم وعدم قدرتهم على سدّ الطلب، عندها يرتفع سعر التوصيلة نظراً لقلة توفّر السائقين، وهو ما يعود بالفائدة عليهم على حساب العميل الذي يضطر الى دفع تعرفة أعلى. وتؤكد هذه العينة أنّ الأموال التي تتقاضاها نقداً أو عبر الحساب المصرفي تعود لها مباشرة بعد قطع نسبة 15% منها في حال كان مصدر العميل شركة كريم وحوالى 25% بحالة أوبر. وعن مدى اللجوء الى سيارات التأجير من قبل الشركتين، يلفت أحد السائقين أنه استثنائي ويتمّ في حال طلب سيارة فخمة خصوصاً في المناسبات وعند القيام بعروض ترويجية تلجأ اليها أحياناً الشركة.

* [email protected]