لطالما شكّل النائب ميشال المر ظاهرة نيابية خدماتية جعلت أحزاباً سياسية تاريخية أو حديثة تتنافس لاستقطابه مع ما يمثله من مفاتيح انتخابية تبدأ برؤساء بلديات المتن الشمالي واتحاده ولا تنتهي عند المدراء العامين وكبار الموظفين في العديد من مؤسسات الدولة إضافة إلى نفوذ قويّ في وزارتي الداخلية والدفاع في مرحلة ما بعد الطائف. هذه الظاهرة جعلت منه نجماً في مختلف الدورات النيابية قبل أن يبدأ هذا النجم بالأفول عشية انتخابات 2005 من دون أن يعني ذلك أنه خسر دوره كبيضة قبان... إلى أن أُقرّ نظام الاقتراع النسبي فسقطت آخر ورقة قوة من يديّ «أبو الياس».
اليوم، يقف المر وحيداً. لا أحزاب تتسابق لضمه إليها ولا لوائح تلهث وراء رصيد نحو 58 عاماً من العمل السياسي المستمر. وبعد أن كان متحالفاً مع حزب الكتائب في الانتخابات النيابية السابقة، يرى «حزب الله والوطن والعائلة» فيه اليوم «ثقالة» للائحة «مدنية» يطمح سامي الجميل أن يطلّ فيها على الرأي العام المتني.
يكفل الحاصل الانتخابي للكتائب في المتن الشمالي اليوم الفوز بمقعد نيابي واحد، وإذا تحالف الحزب مع المر، يضمن له حاصله الفوز بمقعدين على أن يكون المقعد الإضافي الرابح من نصيب النائب البتغريني. وهو ما لا يفيد الكتائب التي يرغب رئيسها بإطلاق وجوه شبابية جديدة.

أسقط النظام
النسبي آخر ورقة قوة من يديّ «أبو الياس»


أما القوات اللبنانية التي لا تجمعها والمر أيّ علاقة ودّ، فإن التحالف غير مجدٍ للطرفين في حال تمكّنا من الحصول على المعدل الانتخابي المطلوب، إذ سيقتصر الربح على مقعد واحد لا على مقعدين.
للتيار الوطني الحر والمر قصة أخرى. لطالما كانت العلاقة ملتبسة بين الطرفين. بعد أن جمعتهما لائحة واحدة في عام 2005، خاضا معركة شرسة في انتخابات 2009 استتبعتها معركة انتخابات 2010 البلدية، ليتحالفا مجدّداً في الانتخابات البلدية في عام 2016.
مع القانون الأكثري، كان الاتفاق بين التيار الوطني الحر والمر كفيلاً بحسم نتائج المعركة، أي معركة، حتى قبل حصولها، ولكن ما كان يصحّ في النظام الأكثري لا يصحّ اليوم، خصوصاً أنّ أيّ تعاون بين المر والتيار الوطني الحر سيكون على حساب الحزب البرتقالي. إذ تشير غالبية استطلاعات الرأي أن حاصل «التيار» الانتخابي وحده في المتن الشمالي يوازي 2.6 أي 3 مقاعد نيابية، وطموح رئيس التيار جبران باسيل أن يفوز بمقعد نيابي رابع ينضم صاحبه إلى تكتل التغيير والإصلاح.
في حالة «أبو الياس» غير القادر على تأمين حاصل إضافي للائحة العونية، سيكون فوزه بالأصوات التفضيلية على حساب مرشح حزبي من اللائحة. إلا أن هناك من يقول إنّ وجود المر إلى جانب التيار من شأنه أن ينعكس إيجاباً على رؤساء بلديات ساحل المتن الشمالي الذين يوالون الاثنين معاً، الأمر الذي يجعلهم يعملون بحماسة من أجل الطرفين بعكس ما كان ليحصل لو لم يقم هكذا تحالف بين الاثنين. هذه الحماسة من شأنها رفع الحاصل الانتخابي عبر «تسكير» بلدات الساحل بشكل كامل وهي التي تشكّل مركز ثقل القضاء؛ وبذلك يمكن لهؤلاء أن يؤمّنوا مقعداً إضافياً للمر.
وبعد طول انتظار، ومع بدء موسم الترشيحات، بدأ النائب البتغريني مشاوراته لضمان مستقبله النيابي لا سيما مع انحسار رقعة خياراته. فالكتائب الرافضة للتحالف معه، عرضت عليه، وفق مصادر المقربين منها، تبني ترشيح حفيدته ميشال تويني على اعتبار أن الأخيرة متزوجة من شاب متنيّ. إلا أن المر الطامح لتجديد ولايته مرة أخرى، أقفل الباب أمام أيّ تعاون مع الكتائب، وقرر طرق الأبواب البرتقالية، فزار مؤخراً قصر بعبدا لكنه اصطدم بحقيقة إصرار رئيس الجمهورية على أن الملف الانتخابي بيد رئيس التيار الوطني الحر وحده.
وإذا كان التيار الحر لم يحسم خياراته المتنية النهائية مع أيّ طرف حتى الآن، يجري الحديث عن عرض رباعي الأبعاد قدمه ميشال المر يشمل المتن وبعبدا والأشرفية وكسروان: ضم «أبو الياس» إلى لائحة المتن، سيقابله عمل جدّي من ماكينة آل المر القوية ومفاتيحهم الانتخابية إضافة إلى رئيسة اتحاد بلديات المتن ميرنا المر ورؤساء البلديات التابعين له لمصلحة المرشحين العونيين. وفي بعبدا، يمكن للمر تجيير عدد لا يُستهان به من الأصوات عبر صهره رئيس بلدية الشياح ادمون غاريوس الذي شكل في عام 2009 رأس حربة 14 آذار، علماً أنه لم يعلن ترشحه لهذه الدورة نتيجة الخلاف القائم بينه وبين القوات اللبنانية. وفي دائرة بيروت الأولى، يتسلّح المر بأصوات المؤيدين لحفيدته النائبة نايلة تويني، فيما تتمثل قوته في كسروان بعائلة أبو شرف التي يصاهر أحد أبنائها.
حتى الآن، ما تزال الماكينة العونية، وفق العاملين فيها، تغربل إيجابيات هذا التعاون من عدمه لا سيما أن محاربة آل المر كانت منذ عام 2005 أحد عناصر شدّ عصبية القاعدة العونية، إلا أنّ ما يخفّف من وطأة الحملة على التيار إذا اعتمده مرشحاً ضمن لائحته، أن الخيارات التحالفية في هذه الانتخابات ستكون أوسع من السابق «فمن يتحالف مع تيار المستقبل بعد كل اتهامات الفساد التي ساقها بحقه التيار الحر، لن يجد صعوبة في تبرير تحالفه مع أي طرف آخر من نوع ميشال المر»، على حد تعبير قيادي عوني. كما أنه سيكون من الصعب على الكتائب الاستفادة من تحالف المر- التيار لمحاربة العونيين في المعركة الانتخابية المقبلة، «فالنائب سامي الجميل تحالف بنفسه مع رجل عمارة شلهوب في الانتخابات الأخيرة»!




مبادرة «نَوّار المتن 2018»

تطلق مجموعة أحزاب وشخصيات مستقلة غداً مبادرة سياسية انتخابية بعنوان "نَوّار المتن 2018". يضم هذا الائتلاف: الحزب الشيوعي، الحزب القومي ــ جناح عبد المسيح، إضافة الى بعض المعترضين على أداء القيادة الحالية للحزب القومي، التجدد الديموقراطي، وعدد من اليساريين وناشطين في "الحراك المدني"، ومجموعة "صحّ" التي يرأسها القيادي العوني السابق زياد عبس. ويطرح هذا الائتلاف وفقاً لأحد أعضائه، أمين سرّ "شبيبة جورج حاوي" رافي مادايان، "برنامجاً تغييرياً إصلاحياً ينقلنا من دولة طائفية ومنظومة رعايا طوائف الى دولة مدنية حديثة".
"نوار المتن" ليس بلائحة انتخابية، "بل تجمع يسعى الى شبك يديه بأيدي الآخرين، من أجل الخروج بلائحة متجانسة الأهداف والتطلعات في المتن الشمالي"، يضيف مادايان. ومن بين الأسماء المرشحة للانضمام إلى اللائحة، بالإضافة إلى مادايان، عاطف نهرا، شدياق الشدياق، رياض صوما، نادين موسى (أعلنت ترشحها للانتخابات الرئاسية في عام 2014)، الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي، القومي ميلاد سبعلي (جناح عبد المسيح) والمهندس ميشال عقل (التجدد). أما مجموعة "صحّ" او المعارضة العونية، فينوب عنهم جورج عبود.
ويقول أحد وجوه اللائحة الائتلافية التي ستتبلور هويتها أكثر في الأسابيع القليلة المقبلة "هناك رغبة بخوض الانتخابات من موقع المعارضة الديموقراطية في مواجهة لوائح السلطة التي يمثلها ميشال المر والقوات والتيار الوطني الحر والكتائب، رغم محاولة الأخير مغازلة المجموعات المدنية والتنصل من كل الحكومات التي شارك فيها والتمديد الذي صوّت له". ويرى الأعضاء المجتمعون حول مبادرة "نوار المتن" أن الناخب المتني جرّب هذه الطبقة التي وإن تغيرت وجوهها وأسماؤها تبقى هي نفسها ببرنامج واحد قوامه المحاصصة والطائفية ونظام الزبائنية.