عندما أصدرت هيئة المجلس العدلي حكمها في قضيّة حبيب الشرتوني، قبل نحو أربعة أشهر، لم يكن كلّ أعضائها «أصيلين». ثلاثة مِن الهيئة، المؤلّفة مِن خمسة أعضاء، كانوا «إضافيين». هل يؤثّر هذا على شرعيّة الأحكام؟ كلّا، فالمسألة إلى هنا شكليّة. أعضاء هذا المجلّس الخمسة يُعيّنون، بحسب قانون أصول المحاكمات الجزائيّة، بمرسوم يُتّخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى.
أيضاً، يُعيّن في المرسوم نفسه قاضٍ أو أكثر بعنوان «إضافي» (ليحلّ محل الأصيل في حال وفاته أو تنحيته أو ردّه أو انتهاء خدمته). اثنان مِن الأعضاء الثلاثة، في الهيئة الحاليّة، جرى تعيينهما بمرسوم «عادي»... أمّا الثالث، وهنا الملاحظة، فجرى تعيينه بمرسوم «استثنائي» مطلع عام 2014. آنذاك، كانت الحكومة مستقيلة وتعمل وفق مبدأ تصريف الأعمال. لذا جاء في موجب استثنائيّة مرسوم التعيين ما نصّه: «بما أنّه يتعذّر انعقاد مجلس الوزراء بسبب اعتبار الحكومة مستقيلة، واستناداً الى مبدأ استمرارية العمل بانتظام واطّراد في مرفق عام، وبناءً على الموافقة الاستثنائيّة المعطاة بموجب كتاب الأمانة العامة لمجلس الوزراء (الرقم 34 / م ص)، يُعيّن (...) على أن يُعرض هذا المرسوم لاحقاً على مجلس الوزراء على سبيل التسوية».
ليس هو المرسوم الوحيد في مرحلة الفراغ تلك الذي ذيّل، كشرط مرور، بعبارة «على أن يُعرض لاحقاً». هنا السؤال، هل عُرِضت تلك المراسيم لاحقاً على مجلس الوزراء، أو أقلّه مرسوم تعيين عضو المجلس العدلي؟ إن لم يحصل هذا، لاحقاً، عندما شُكّلت حكومة جديدة، فإنّ مسألة الطعن في شرعيّة المرسوم واردة... وبالتالي الطعن في الأحكام الصادرة. نكون عندها أمام مخالفة صريحة لنص المرسوم. خبير قانوني يرى ذلك، لكن، في المقابل، هناك خبير قانوني آخر «يدعو إلى التسامح في هذه المسألة». قبل نحو خمس سنوات، كان المستشار القانوني نجيب فرحات، في قضيّة مرسوم الدورة الثانية لشهادة الثانويّة العامة، يرى أن «لا شرعيّة للمرسوم، كونه لم يصدر في مجلس الوزراء، وبالتالي يُمكن لأي طالب راسب أن يطعن بنتائج الاستحقاق ويبطل الدورة الاستثنائيّة». إن كان ذلك في قضية امتحانات مدرسيّة رسميّة، فما بالنا بمرسوم يتعلّق بالمجلس العدلي، المحكمة الاستثنائيّة العليا في لبنان، المخوّلة الحكم بالإبقاء على حياة إنسان أو إعدامه!
مسؤول سابق في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بسؤاله عمّا إن كان المرسوم مدار البحث قد عُرِض لاحقاً على الحكومة، يقول: «كيف لنا أن نتذكّر! لم يكن لدينا مكننة لهذه الملفات، وبالتالي البحث مستصعب، لذا نعتمد على الذاكرة، وبصراحة أنا لا أذكر». ماذا عن سائر المراسيم الاستثنائيّة الصادرة في تلك المرحلة؟ لا ذاكرة أيضاً. هذه أجوبة مألوفة مِن المسؤولين في لبنان. نعيش في هذا الزمن ولا تزال ملفّات البلاد غير ممكننة.

تعمل هيئة المجلس حاليّاً على خمس قضايا مِن بين عشرات مضى عليها عقود مِن الزمن



لعلّ جزءاً مِن «مكافحة المكننة» في بلادنا غايته استدامة حالة «لا أذكر»... وبالتالي سهولة الفساد والقصّ واللصق والإهمال والتضييع. وزير سابق في الحكومة يقول: «لا أذكر أنّ تلك المراسيم الاستثنائيّة كان يُعاد عرضها على مجلس الوزراء. ربّما هذا مخالف للنص، ولكن هكذا درجت العادة». لا علاقة لنزاهة القضاة أعضاء المجلس العدلي هنا، فالمسألة ليست عندهم، بل عند الجهة التي تُعيّنهم (الحكومة). هذا شأن إداري محض، مِن حيث الشكل، بعيداً عن الجوانب السياسيّة (كون الأعضاء يُعيّنون وفق التوزيع الطائفي، عرفاً، وبالتالي وفق رغبات التيّارات السياسيّة التي تتشكّل مِنها الحكومة).
مناسبة الحديث عن المجلس العدلي اليوم، وعن هيئته الحاليّة التي لا تزال على حالتها المذكورة، هي إقرار مجلس الوزراء، أمس، مشروع وزير العدل سليم جريصاتي، بتعيين أعضاء لدى المجلس العدلي وهم: القاضي جوزف سماحة (أصيلاً)، القاضي ميشال طرزي (أصيلاً)، القاضي غسّان فوّاز (أصيلاً)، القاضي جمال الحجّار (أصيلاً)، القاضي خالد زوده (إضافيّاً)، عفيف الحكيم (إضافيّاً)، القاضي تريز علاوي (إضافيّاً)، القاضي جان مارك عويس (إضافيّاً) والقاضي مايا ماجد (إضافيّاً). ربّما هي المرّة الأولى التي يكون فيها الأعضاء بالإضافة أكثر مِن الأعضاء الأصيلين. يُشار إلى مرسوم صدر، في منتصف العام الماضي، أُقرّ بموجبه إعطاء كلّ قضاة المجلس العدلي الأصيلين والإضافيين والموظّفين الملحقين به تعويضاً شهريّاً (إضافة إلى رواتبهم)، توزّع على الشكل الآتي: مليون ونصف مليون ليرة لرئيس المجلس، مليون ليرة لكلّ مِن الرئيس بالإنابة والنائب العام والمستشار والمحامي العام، فيما يُعطى لكلّ مُساعد قضائي (لدى المجلس حصراً) مبلغ 190 ألف ليرة شهريّاً.
أحيل إلى المجلس العدلي منذ عام 1943 (الاستقلال)، وصولاً إلى عام 2012 نحو 160 قضيّة (بحسب إحصاء للمجلّة الشهريّة التابعة للدوليّة للمعلومات). زاد العدد قليلاً خلال السنوات الأخيرة. قضايا كثيرة مِنها، بحسب رئيس المجلس الحالي القاضي جان فهد، لا تزال لدى المحققين العدليين، وبالتالي لم تصل إلى هيئة المجلس، رغم مضي عقود مِن الزمن على بدء التحقيق فيها. لهذا وصف البعض ذلك المجلس قديماً بـ»مقبرة القضايا». ربّما هو الأكثر، مِن حيث التكوين، تأثّراً بالسياسة مِن بين المحاكم. السُلطة السياسيّة هي التي تُقرّر ما تُرسل إليه وما لا تُرسِل مِن قضايا. مِن عيوبه أنّ أحكامه مبرمة ولا تقبل المراجعة (وفق الطرق التقليديّة في المحاكم). قضاة المجلس يدركون أن هذه منقصة، لذا يتحدّث أحدهم لـ»الأخبار» عن «الرغبة في تعديل نصوصه القانونيّة، لتصبح المحاكمة فيه على درجتين، وهناك اقتراح في هذا الصدد». حاليّاً، تعمل هيئة المجلس على خمس قضايا، هي مجموع ما قطع مراحل التحقيق، مع احتمال إحالة قضايا إضافيّة قريباً. هناك مَن دعا ويدعو، قديماً وحديثاً، مِن قضاة ومحامين وخبراء في القانون، إلى إلغاء هذا المجلس الذي تأسس في عشرينيات القرن الماضي (أيّام الحاكم الفرنسي). ما يقوم به يُمكن لأي محكمة، كالجنايات مثلاً، أن تقوم به، وربّما في وقت أقل، والأهم... بقدر أقل مِن السياسة.