في قرارٍ مفاجئ، أعلنت إدارة «فيرجين ميغاستور» إغلاق فرعها الرئيس في مبنى الأوبرا في وسط بيروت، والذي افتتح عام 2001. من الناحية التجارية قد يكون القرار منطقياً، في ظل تراجع الحركة في منطقة وسط بيروت ككل خلال السنوات الماضية بفعل الأحداث السياسية التي عصفت بلبنان منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري والتي كان قلب العاصمة أبرز المتأثرين بها.
لكن من الناحية الرمزية، فإن للخطوة آثاراً سلبية عدة، خصوصاً أنها تأتي في وقت تسعى بلدية بيروت إلى إعادة ضخ الحياة في وسط المدينة من خلال سلسلة نشاطات واحتفالات تنوي إطلاقها تباعاً، وكان أول تجلياتها الحفل الضخم الذي نظّم في مناسبة رأس السنة.
مصادر في شركة «سوليدير» أوضحت لـ«الأخبار» أنها لم تكن على علم بقرار «فيرجين». وأشارت الى أن مبنى الأوبرا مملوك من أفراد مستثمرين، فهو خاضع لحرية التعاقد وليس من صلاحية الشركة التدخل في قرارات مماثلة. لكن المصادر أعربت عن أسفها للقرار «فيرجين»، ولفتت الى أن فرعها في «أسواق بيروت» لا يزال قائماً و«نحن على استعداد دائم للتعاون مع المستأجرين والمالكين عندما تقتضي الحاجة».
قرار الاغلاق ربطته «فيرجين» بثلاثة أسباب رئيسة. أولها طغيان المراكز التجارية الكبرى (المولات) على حركة السوق واستقطابها القسم الأكبر من المتسوقين. وإذا كان معلوماً أن متاجر التجزئة المنفردة باتت تواجه صعوبة بالغة في منافسة المراكز التجارية، فإن عدم قدرة علامة تجارية عالمية بحجم «فيرجين» على الاستمرار خارج هذه المراكز يؤشر إلى مدى سوداوية المستقبل بالنسبة لباقي المتاجر. وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي شربل قرداحي أن المشكلة تكمن في «النموذج الاقتصادي لكل ما هو ثقافي في لبنان. فالناس في وقتنا الحاضر قلّما تتحمس للأمور الثقافية، وبالتالي لا تقصد مكاناً ذا طابع ثقافي تحديداً.

رأت «فيرجين» أن الانتقال إلى الـ«مولات» يجعلها أقرب إلى المستهلك
لذلك، فإن الانتقال إلى المولات يجعل الشركة أقرب إلى المستهلك».
السبب الثاني للإغلاق هو تراجع حركة مبيع الـ CDs والـ DVDs في ظل تنامي استخدام الانترنت للاستماع إلى الموسيقى ومشاهدة الأفلام. ويمكن الاستنتاج بأن الأقراص المدمجة المقرصنة التي تغزو السوق اللبنانية، بأسعار رمزية مقارنة بالنسخ الاصليةـ أثرت في شكل كبير على مبيعات «فيرجين».
أما السبب الثالث فهو الكلفة التشغيلية الباهظة، وتحديداً لناحية بدل الإيجار المرتفع في وسط بيروت، ما كان له دور محوري في الحد من جاذبية المنطقة استثمارياً. وبحسب قرداحي، فإن بعضاً من معاناة منطقة وسط بيروت من النواحي السياحية والاقتصادية تكمن في «غياب التنوع الاجتماعي فيها إلى حد كبير. فالمطاعم والمتاجر في المنطقة تتوجه في غالبيتها إلى فئة محددة من الناس، وهو ما يؤثر سلباً على استقطاب أعداد أكبر من المستهلكين من مختلف الفئات الاجتماعية». في هذا الإطار أوضحت مصادر «سوليدير» أنها ليست طرفاً في الاتفاق على بدل الإيجار بين أصحاب المبنى وشركة «فيرجين». أما المباني التي تملكها الشركة فهي تقوم بتطبيق «معدلات إيجار تتناسب مع واقع السوق العقاري والوضع الاقتصادي. وقد خفّضت الإيجارات مرات عدة في السنوات السابقة بما مجموعه 30%».
إذاً، ودّع «فيرجين» مبنى الأوبرا وحصر وجوده في الـ«مولات». خبر محزن لا شك، ليس للمرتحل عن وسط العاصمة بل لقلب بيروت الذي يصارع للصمود. يبقى سؤالان ضروريان: هل ستقتصر مساعي البلدية لإعادة إحياء وسط بيروت على الحفلات والنشاطات التي تجذب الناس لمدة محددة من الزمن ومن ثم عود على بدء، أم أنها ستكون من ضمن استراتيجية شاملة تأخذ في الاعتبار الإيجارات وغيرها من المسائل؟ وماذا يخطط لمبنى الأوبرا التاريخي؟ وهل يشكّل رحيل «فيرجين» فرصة لاستثمار هذا المبنى بشكل أكثر فعالية واستخدامه لإضفاء بعد ثقافي تفتقر إليه العاصمة ولبنان ككل، أم أن المنفعة التجارية ستغلب المنفعة الثقافية؟