بحسب مصادر اقتصادية متابعة يسعى الحريري منذ أشهر لمعاودة الإمساك بالملف الاقتصادي بقوة أكبر هذه الولاية. بعد «محنة الرياض»، ومحاولات إعادة ترتيب البيت الداخلي، يبدو أن هناك من أقنع الحريري بضرورة إيلاء تفاصيل الملف الاقتصادي والمعيشي والاستثماري اللبناني أهمية أكبر من ذي قبل.
قبل مدة، أجرى الحريري جولة من اللقاءات في بيت الوسط شملت عدداً من المصرفيين والاقتصاديين ورجال الأعمال وأصحاب شركات وخبراء اقتصاديين. يقول عارفون إنه سمع كلاماً أكثر ممّا تحدث. بالغ في التفاؤل، برأي مخضرمين حضروا جانباً من هذه اللقاءات، حين تحدث عن الثقة الدولية «المضمونة» لاستقرار البلد أمنياً وسياسياً. أظهر عدم دراية فعلية بمكامن الخلل البنيوي في الاقتصاد المحلي حين تطلب الأمر الدخول في التفاصيل. وعلى طريقة الحريري الأب، يكون الجنوح نحو العموميات والحلول البديهية والاستعانة برأي المؤسسات الدولية التي تعرف أكثر وتملك «الوصفات الجاهزة»، لما لها من باع طويل في تجارب شبيهة بحالنا، حين تطرح الحلول والبدائل.
يؤكد رئيس مجلس الوزراء أمام من يلتقيهم أن حكومته ستذهب إلى «باريس 4» ببرنامج استثماري واضح وكبير لكن محدد الأهداف، يقدر قيمة المشاريع المطلوبة بـ 16 ــــ 17 مليار دولار، تشمل أكثر من 250 مشروعاً في قطاعات المواصلات والاتصالات والمياه والكهرباء والصرف الصحي والصحة والتربية وإرث لبنان الثقافي.
يأمل الحريري بالعودة من باريس 4، وفي جعبته (على المدى القصير)، سبعة مليارات دولار كهبات وقروض ميسرة.

هل تأخذ الحكومة
خيار البواخر مجدداً ولكن هذه المرة بمباركة دولية؟

بشكل تبسيطي، الرجل مقتنع بأن المليارات السبعة هذه كفيلة في ظل وجود الغطاء الدولي للحالة اللبنانية الراهنة، وفي ظل وقوف البلد على أعتاب نقلة نفطية مفترضة، والوضع العام الراهن في منطقة الخليج العربي والدول المحيطة بنا، بإنتاج سبعة مليارات موازية في الدورة الاقتصادية خلال فترة تمتد من 3 إلى 5 سنوات.
في الجولة الرابعة من الفيلم الفرنسي عينه، تبدو الطريق معبّدة ببعض الاختلافات هذه المرة. ملف الكهرباء كان من المواضيع الأساسية التي سمع الحريري كلاماً حاسماً بشأنها، لا سيما من أطراف يراها ذات صدقية وتأثير في الملف الاقتصادي على الصعيدين المحلي والعالمي كالبنك الدولي وصندوق النقد والبنك الأوروبي للاستثمار.
يجمع أغلب الخبراء من المؤسسات الاقتصادية الدولية ممن التقاهم الحريري مؤخراً على وجوب معالجة «مهزلة» قطاع الكهرباء في لبنان المستمرة منذ انتهاء الحرب الأهلية، قبل التطرق إلى أي أمر قد يليها له علاقة بهبات أو قروض أو استثمارات خارجية. سمع الحريري حتمية توافر ضمانات حقيقية لالتزام لبنان بتعهداته أمام الدول المشاركة في المؤتمر.
إنه الكلام نفسه يتكرر مع اختلاف التاريخ وتباعد السنين بين الحدث وأخيه، لا بد من قيام إصلاحات جذرية في المؤسسات الرسمية والقطاع العام، بدءاً من قطاع الكهرباء والمياه والمواصلات والاستشفاء... ولا تنتهي بالاتصالات. شروط لن يكون بمقدور لبنان تخطّيها هذه المرّة، كما حصل في مؤتمري «باريس 2» و«باريس 3»، ما حرم البلد من التقديمات والمنح والقروض التي سمعت أرقامها في قاعة المؤتمر ولم تجد طريقها إلينا.
الكهرباء ملف بات يشكل ضغطاً على الحريري من الخارج بقدر ما يشكله في الأصل داخلياً. الكلام كان واضحاً من قبل المعنيين في الخارج، لا مجال للحديث عن نقلة نوعية في التعاطي الدولي مع لبنان لا سيما لجهة حركة الاستثمار الخارجي بكل تفاصيله قبل الانتهاء من إصلاح قطاع الكهرباء، الذي يعدّ الحجر الأساس في خطة تحديث وتجهيز البنى التحتية في لبنان. هنا تأتي الخصخصة من وجهة نظر الحريري كحلٍّ واقعي وممكن لهذه المعضلة المتواصلة فصولها. لذا يحضر رئيس الحكومة لمؤتمر أواخر شباط المقبل بهدف عرض هذه المشاريع ومناقشتها مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي والبدء بتحفيز تمويل القطاع الخاص لها.
في باريس 3 تعهد لبنان إصلاح قطاع الكهرباء من خلال تحرير إنتاج الطاقة وإنشاء الهيئة الناظمة للقطاع تمهيداً لخصخصته. مرت السنوات ولم يطرأ جديد على القطاع المعطوب شكلاً ومضموناً. اليوم يبدو الحريري في سباق مع الوقت أكثر منه مع الجهات المانحة وشروطها. كيف يمكن زيادة إنتاج التيار خلال فترة زمنية قصيرة؟ الخيار الوحيد المتوافر هو بواخر إنتاج إضافية ترسو قبالة معملي دير عمار والزهراني لزيادة 800 ميغاوات إضافية، باعتبار أن إنشاء معامل توليد على اليابسة مشروع لا يمكن أن يبصر النور تقنياً قبل 3 سنوات في الحالات الطبيعية (من بدء المباشرة فيه)، وفي الحالة اللبنانية قد يطول ليصل إلى خمس سنوات أو حتى أكثر، فهل تأخذ الحكومة خيار البواخر مجدداً، ولكن هذه المرة بمباركة دولية؟




300 مليون دولار لتأهيل معمل الذوق

من خارج السياق العام لتحضيرات خطة إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان، سيبحث مجلس الوزراء في مشروع تأهيل معمل الذوق الحراري المقدم من شركة "إنسالدو" الإيطالية (كعارض وحيد)، والتي أثير حول عملها الكثير من اللغط خلال الأعوام الماضية. المشروع الذي وجد له مؤيدين في مجلس الإنماء والإعمار من المرتقب أن تبلغ كلفته نحو 300 مليون دولار. في هذا الإطار ترى مصادر أنه هدر إضافي يضاف إلى هدر القطاع بسبب عمر المعمل القديم (أكثر من 30 سنة)، وبسبب ارتفاع كلفة المشروع المعدّ أصلاً لمعمل لا يعمل إلا على الفيول، وغير مؤهل للعمل على الغاز، علماً أن معظم التوجهات العالمية الجديدة تنحو باتجاه المعامل التي تعمل على الغاز لأنه أقل كلفة وأفضل بيئياً.

* [email protected]