أزمة مرسوم الأقدمية لضباط دورة الـ1994 في الجيش اللبناني، أصبحت تُشبه قصة إبريق الزيت. معظم القوى السياسية تُسلّم بأن لا أحد يريد حلّ هذه المعضلة قبل تاريخ الانتخابات النيابية، حتى تبقى مادة سجالية «تُستغل» في شدّ العصب الشعبي. ولكن، لن يكون هذا المرسوم «يتيماً». وبدل الواحد أصبح هناك مرسومان، يُساهمان في تعميق الخلافات بين أركان السلطة. التوتر في البلد بلغ حدّه الأقصى، وبات أي موضوع طابعه، في الأصل، إداري يُحوَّل إلى نزاع سياسي.
المرسوم الثاني الذي طرأ، يتعلّق بقرار مجلس الوزراء يوم الخميس تعيين مفتِشَين تربويين ومفتش مالي من خارج جدول الأعمال، بعد أن كان الوزراء علي حسن خليل وغازي زعيتر ومروان حمادة قد غادروا الجلسة. لم يكن هؤلاء على علمٍ، بحسب معلومات «الأخبار»، بأنّ قرار تعيين المفتشين سيُناقش، الأمر الذي أثار امتعاضاً كبيراً. ويتجه الوزيران المعنيان، حسن خليل وحمادة، إلى عدم توقيع المرسوم. مصادر وزارية شاركت في إقرار قرار تعيين المفتشين تقول إنّ «جلسة مجلس الوزراء لا تتوقف إذا انسحب منها حسن خليل أو حمادة أو أيٍّ كان»، مُضيفةً أنّه «لم تحصل أي مخالفة أو تعدٍّ على صلاحيات أحد، لأنّ هذا الأمر كان مدار بحث بين كلّ القوى في وقت سابق، وقد وافقت عليه. كذلك فإنّ المفتشين يتبعون لرئاسة الحكومة».

برّي: جرى تجاوز توقيع المدير العام للعدل في طلب الاستشارة من هيئة التشريع والاستشارات



نقطة أخرى شكلت مادة اعتراض، ولا سيّما لدى حمادة، هي نقل الكلية المُخصصة للعلوم البحرية من عكار إلى البترون، من دون استشارة وزير التربية. الجدل في هذا الموضوع قديم، تعود فصوله إلى تاريخ الأول من آذار 2017، يوم ناقش مجلس الجامعة اللبنانية اقتراحاً لإنشاء فروع لكليات في عددٍ من المناطق. اتُّفق يومها على إنشاء العلوم البحرية «باختصاصات عدّة، حصرياً لعكار». إلا أنّ الوزير جبران باسيل، سارع إلى التغريد مُهنئاً أبناء البترون بإنشاء الكلية في منطقتهم. إلا أنّ ما حصل عملياً حينها، كان تخصيص مجلس الوزراء مبلغ 9 ملايين دولار لمركز علوم البحار في البترون، التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية. ظلّ الأمر محطّ جدلٍ، إلى أن تقرّر في جلسة الخميس الماضي نقل كلية العلوم البحرية من عكار إلى البترون. لم يبلع حمادة «استغابته»، ومناقشة قرارات تخصّ وزارته من دون وجوده. إلا أنّ المصادر الوزارية تعتبر أنّ «حمادة يريد اختلاق خلاف من دون سبب. وهو في الأصل حضر إلى الجلسة لتوتير الأجواء من خلال الاعتراض على بند إنشاء قنصليات فخرية، رغم التوضيح له مراراً أنّ هذه القنصليات لا تُكلف خزينة الدولة فلساً، بل إنّ القنصل الفخري المُعين هو المسؤول عن التكاليف المادية».
على صعيد آخر، تفاعلت قضية بناء العدو الإسرائيلي جداراً عازلاً على الحدود الجنوبية. فأبلغ الرئيس ميشال عون قائد «اليونيفيل» مايكل بيري، مطالبة لبنان «بالبحث في النقاط الـ 13 التي يتحفظ عليها على طول الخط الأزرق، ولا يعتبره حدوداً نهائية، بل هو تدبير مؤقت اعتُمد بعد تحرير الشريط الحدودي عام 2000». واعتبر عون أنّ «بناء إسرائيل لجدار قبالة الحدود اللبنانية في ظل الوضع الراهن للخط الأزرق، لا يأتلف مع الجهود التي تبذلها القوات الدولية بالتعاون مع الجيش اللبناني للمحافظة على الأمن والاستقرار». وتطرّق مجلس الدفاع الأعلى، في اجتماعه في بعبدا أمس، إلى الجدار العازل، فاعتبره «خرقاً للقرار 1701 وتقرّر أن يقوم لبنان بكلّ الإجراءات لمنع الخرق».
وخلال زيارة بيري لرئيس مجلس النواب نبيه برّي، أشار قائد «اليونيفيل» إلى أنّ إسرائيل قرّرت تجميد نشاطها في بناء الجدار الفاصل إلى حين انعقاد اللجنة الثلاثية (اليونيفيل والجيش اللبناني وجيش العدو) مطلع شباط المقبل. واستوضح برّي من بيري عن النقطة التي سيبدأ فيها الإسرائيليون عملية البناء، فأجابه بأنّها نقطة قريبة من المُربع النفطي. ردّ برّي بأنّ الخطورة تكمن في أنّ ذلك سيؤدي إلى اندلاع حرب.
من جهة أخرى، التقى برّي المدير العام لوكالة غوث ​اللاجئين الفلسطينيين​ «​الأونروا​» في ​لبنان​ ​كلاوديو كوردوني​، وعرض له النتائج السلبية التي ستطاول لبنان جراء خفض ميزانية الوكالة. طلب برّي من كوردوني إرسال جدول كشف عن المسؤوليات التي كانت تتحملها الوكالة بالتفصيل، وأشار إلى «وجود أمرٍ مُريب، وهو أنّ تجميد الأموال لم يشمل إلا لبنان وسوريا».
وعلّق برّي على طلب إدخال تعديلات على قانون الانتخابات، وما إذا كانت الأزمة الراهنة ستنعكس على الانتخابات النيابية، قائلاً إنّ «التعديلات أصبحت وراءنا، ولا شيء سيؤثر في موعد إجراء الانتخابات». أما بالنسبة إلى قرار هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل حول مرسوم الأقدمية، فكشف برّي أنّه بعد عودته من طهران «تمعّنت بالقرار، فتبين وجود مخالفة في أصول طلب الاستشارة من الهيئة، لناحية تجاوز توقيع المدير العام لوزارة العدل».
على صعيد العلاقة بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية، زار الوزير ملحم رياشي رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في بيت الوسط، وقال بعد اللقاء إنّ «المحادثات على قدم وساق بانتظار الوصول إلى خاتمة سعيدة». العلاقة بين الطرفين «ثابتة ومرّت بمراحل تاريخية طويلة، صحيح شابتها بعض الشوائب، ولكن الغيمة مرت». وأشار رياشي إلى أنّه «ما من موانع للقاء بين رئيس الحكومة ورئيس القوات سمير جعجع، لكننا نعمل على مقاربة حديثة لطريقة التعاطي بين الطرفين». إلا أنّ مصادر المجتمعين أبلغت «الأخبار» أنّ الأمور لم تُحَلّ نهائياً، وما زال هناك الكثير من المباحثات للقيام بها.
(الأخبار)