الرسالة التي وجهها أهالي التلامذة المشاركون في مسيرة دعم طرح رئيس الجمهورية بشأن تغطية الدولة لأعباء سلسلة الرواتب، كانت واضحة وصريحة: لا نريد أن ندفع أي زيادة على الأقساط المدرسية، ولسنا قادرين على ذلك أصلاً. في الواقع، يطالب هؤلاء بحلول آنية وسريعة للأزمة الناجمة عن تطبيق قانون السلسلة في المدارس الخاصة، في حين أنّ كثيرين منهم يدركون أنّ المشكلة ليست في القانون نفسه، بقدر ما هي في الموازنات المضخّمة للمدارس والتكاليف غير المنطقية فيها.

معترضون على الموازنات

وثمة نماذج للجان أهل شاركت في مسيرة القصر الجمهوري، وتنضوي في إطار اتحادات لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية، لكنها طالبت في وقت سابق بالشفافية في احتساب الأقساط، ومنها من رفض التوقيع على الموازنات للعام الدراسي الحالي، ودعا وزارة التربية إلى التدقيق فيها. ومن هذه المدارس سيدة اللويزة وعدد من مدارس الحكمة ومدرسة العائلة المقدسة والمعهد الأنطوني في بعبدا وغيرها. أما التعاميم بالزيادات التي تراوح بين مليون ومليون و800 ألف التي وزعتها المدارس على الأهالي قبيل عطلة الأعياد، فلا قيمة لها، بحسب اللجان المعترضة، باعتبار أنّ أي زيادة لم توافق عليها لجنة الأهل غير قانونية. هذه ليست حال مدارس كثيرة أقرت لجان الأهل فيها الزيادة بالتوافق مع إدارات المدارس. إلّا أنّ الوزارة لم تتسلم حتى الآن سوى 80 موازنة من أصل 1149 مدرسة خاصة غير مجانية، في حين أن الموعد النهائي لتسليمها هو 31 كانون الثاني الجاري، وفي القانون تعطى مهلة 25 يوماً لدراستها، ما يعني أن الموازنات قد لا تُسلَّم في مواعيدها، وإن بدا لافتاً أن يعد رئيس الجمهورية المشاركين في المسيرة بأن الحلول ستنفذ قبل نهاية المهل.

دعم البطريرك الراعي

لكن، مقابل الحركة الاعتراضية لبعض الأهالي ولجان الأهل، بدت المذكرة التي أعدها منظمو المسيرة موجهة ضد حقوق المعلمين أكثر مما هي ضد زيادة الأقساط، ما يعزز نظرية انخراط البعض، ولا سيما في المدارس الكاثوليكية، في معركة الأقساط إلى جانب أصحاب المدارس والتماهي مع مصالحهم.

وصلت إلى وزارة التربية
حتى الآن 80 موازنة فقط
من أصل 1149
المنظّمون حضروا أمس إلى الصرح البطريركي في بكركي للمشاركة في قداس الأحد ولدعم موقف البطريرك بشارة الراعي الذي أكد «أننا حريصون على حماية الوحدة بين مكوّنات الأسرة التربوية: الأهل وإدارة المدرسة والهيئة التعليمية، وعلى مصلحة كل مكون لترابط الثلاثة في ما بينهم، من أجل خير التلامذة. ولذا، نطالب الدولة بدعم المدرسة الخاصة والمحافظة عليها لكونها ذات منفعة عامة أسوة بالمدرسة الرسمية، علماً بأن كلفة الطالب في هذه الأخيرة تفوق كلفته في المدرسة الخاصة».
تجدر الإشارة إلى أنّ الجهات الموقعة على المذكرة هي من المدارس الكاثوليكية حصراً: اتحاد لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية في كسروان ــــ الفتوح وجبيل، اتحاد لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية في بيروت، تكتل لجان الأهل في مدارس المتن الخاصة، ولجنة المتابعة المنبثقة من لقاء الجمهور. وكانت بعض لجان الأهل في المدارس العلمانية وغير الكاثوليكية التي انضمت في البداية إلى لقاء الجمهور قد انسحبت منه في وقت لاحق.

التماهي مع أصحاب المدارس

الموقعون بدوا وكأنهم يتكلمون بلسان أصحاب المدارس، إذ أغفلوا الكلام على الموازنات وصوّبوا في اتجاه المطالبة بإيجاد حلول لتمويل قانون السلسلة، كي لا ينعكس تنفيذه زيادة في الأقساط المدرسية وإقفالاً للمدارس الصغيرة في الأطراف والأرياف ونزوحاً سكانياً في المدن لعدم وجود مدارس رسمية قريبة. كذلك رفض الموقعون طرح وزير التربية بتقسيط الزيادة على ثلاث سنوات، واعتبار ذلك تجزيئاً للمشكلة وليس حلاً. وإذ أشارت لجان الأهل المشاركة إلى أنّ المدارس الخاصة ليست خياراً، لكون المدارس الرسمية في لبنان، ولا سيما الابتدائية والمتوسطة في وضعها الحالي، لا تشكل بديلاً من المدارس الخاصة لتلامذة التعليم الإلزامي والمجاني اللائق كما حرية اختيار المؤسسة التربوية. بمعنى آخر، تلزيم الدولة المدارس الرسمية للمدارس الخاصة. لكن هل ستوافق إدارات المدارس في المقابل على وصاية الدولة لجهة الإشراف على البرنامج التعليمي، التعاقد المباشر مع المعلمين/ات، تحديد آليات للمراقبة المالية وخضوع المدرسة لكل شروط التعليم الرسمي لناحية عدد الموظفين/ات في المدرسة وعدد التلامذة في الشعبة وغيرها؟
لا للزيادة على الأقساط المدرسية، هو الشعار الموحّد في الحملة. بدا مسار اللقاء موجهاً ضد حقوق المعلمين أكثر مما هو ضد زيادة الأقساط. المفارقة كانت أنّ المذكرة دعت إلى فصل التشريع بين القطاعين العام والخاص وحماية حقوق المعلمين وضبط المؤسسات التربوية من التفلت من القوانين، فضلاً عن تعزيز دور لجان الأهل في المراقبة. والمفارقة الأخرى أن تعدِّد لجان الأهل في المذكرة كل القوانين المتتالية التي أضافت درجات استثنائية إلى رواتب المعلمين، للإيحاء بأنها كثيرة، ما أثار حفيظة رئيس نقابة المعلمين رودولف عبود، الذي أوضح أن هذه القوانين هي حقوق للمعلمين موزعة على كل مراحل التعليم، وليس من اختصاص لجان الأهل الحديث عنها، معرباً عن استيائه من إثارة اللجان لفصل التشريع.

نقابة المعلمين: نرفض قانون التقسيط

أما نقابة المعلمين، فهي ماضية في تحركها التصعيدي، وتعقد هذا الأسبوع جمعيات عمومية لإقرار توصية المجلس التنفيذي بالإضراب. وقد أبلغت وزير التربية مروان حمادة، في اجتماع عقدته السبت الماضي، أنها ترفض رفضاً قاطعاً مشروع قانون تقسيط الدرجات على ثلاث سنوات، لكونه مشروعاً سبقه الزمن، إذ إن بعض المدارس أعطت معلميها الدرجات الست الاستثنائية دفعة واحدة، فهل تستعيدها منهم؟
النقابة طلبت من وزارة التربية الكشف عن التدقيق في موازنات المدارس الخاصة عن السنوات الخمس السابقة، وإعلان النتيجة للرأي العام، إذ أن عدداً كبيراً من هذه المدارس، بحجة دفع سلسلة الرتب والرواتب، زادت أقساطها عشوائياً خلال السنوات الخمس الماضية بنسب تفوق المئة في المئة. كذلك طلبت من مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية رفض تسلّم أية موازنة من أية مدرسة إذا لم تكن موقّعة بحسب الأصول من لجنة الأهل، استناداً إلى أحكام القانون 515/96.