مطلع الأسبوع الجاري، تلقّت الهيئات الأكثر تمثيلاً لأصحاب العمل والعمّال (المحدّدة بالمرسوم 2390)، دعوة من وزير العمل محمد كبارة لتسمية مندوبيها إلى مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. جاء في الدعوة أن مجلس إدارة الصندوق «لم يعيّن أعضاءه منذ فترة طويلة»، وأن شغور بعض المقاعد «أثّر سلباً على عمل مجلس الإدارة وبالتالي على سير أعمال الصندوق».
وحدّد كبارة المهلة القصوى لتسمية المندوبين في الأول من شباط 2018. علماً أن تسمية هؤلاء تسبق في العادة تعيينهم في المجلس بموجب مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء.
دعوة كبّارة جاءت بعد كلام سمعه أعضاء في هيئة مكتب المجلس الاقتصادي والاجتماعي من الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، أخيراً، عن قناعتهما بضرورة خفض عدد أعضاء مجلس إدارة الضمان وزيادة انتاجية المجلس وتفعيل عمل الصندوق، ما بدت معه خطوة وزير العمل من خارج السياق. إذ أن الدعوة بالاستناد إلى المرسوم 2390 تعني تسمية 26 عضواً لمجلس الإدارة، بحسب المادة الثانية من قانون الضمان التي تحدّد توزّعهم بين ستة أعضاء يمثّلون الدولة، وعشرة يمثلون الهيئات الأكثر تمثيلاً من أصحاب العمل، وعشرة آخرين يمثّلون الهيئات الأكثر تمثيلاً من العمال.
خطوة كبار في ظل «قناعة» الرئيسين تركت إرباكاً في تفسير التوقيت السياسي للدعوة وخلفياتها. وعزّز الإرباك أن تسمية المندوبين تتطلب مساراً قانونياً واضحاً ومهلة زمنية معقولة واتفاقاً سياسياً غير واضح المعالم. فأي جهة مخوّلة بتسمية مندوبين لمجلس الضمان، يجب أن يكون لديها تمثيل قانوني ساري المفعول من هيئاتها النظامية، وعليها أن تراعي الحصص السياسية، وأن تتفق مع بقية الجهات على التوزيع الطائفي. كما يجب أن تكون الأطراف المعنية قادرة على تجاوز ما يمكن أن يطرأ من تفسيرات إشكالية على المرسوم 2390 بعد 26 سنة على صدوره. فالمرسوم، على سبيل المثال، يحدّد الهيئات الأكثر تمثيلاً بالاستناد إلى الواقع الذي كان قائماً قبل أكثر من عقدين ونصف، ولا يراعي التغييرات التي طرأت على تضخّم عدد الاتحادات وتوزّعها والمشاكل التي تعانيها جمعيات أصحاب العمل. كما أنه ينصّ على اعتبار «الاتحاد العمالي العام الهيئة الأكثر تمثيلاً للأجراء على جميع الأراضي اللبنانية وله أن يختار عشرة مندوبين، على أن يراعى في انتخاب المندوبين تمثيل جميع المحافظات والمصالح المستقلة والمؤسسات العامة والقطاعات الأكثر انتاجية». وبالتالي فإن التوزيع السياسي والطائفي يجب أن ينسجم مع توزيع جغرافي وقطاعي.
كذلك ينص المرسوم على اعتبار «الهيئات المهنية التالية الأكثر تمثيلاً لأرباب العمل: جمعية الصناعيين تختار مندوبين اثنين، جمعيات تجار بيروت وطرابلس وزحلة وصيدا تختار مندوبين اثنين احدهما من خارج جمعية تجار بيروت، نقابات المهن الحرة للاطباء واطباء الاسنان والصيادلة والمستشفيات تختار مندوباً واحداً، نقابات المهن الحرة للمهندسين والمحامين والصحافة وأصحاب المدارس الخاصة تختار مندوباً واحداً، جمعية المصارف تختار مندوباً واحداً، جمعية شركات الضمان في لبنان تختار مندوباً واحداً، اتحادات نقابات أصحاب الحرف تختار مندوباً واحداً، نقابات أصحاب الفنادق والمطاعم والمقاهي ودور السينما تختار مندوباً واحداً».

مخاوف من أن تنتهي
انتخابات الهيئات لمجلس إدارة الضمان بتعيين لجنة مؤقتة


وهنا أيضاً تتجلّى مشاكل عدة من بينها تمثيل جمعيات التجار في ظل أزمة جمعية تجار زحلة والطعون في انتخاباتها، كما أن الحصص الصغيرة لبعض ممثلي أصحاب العمل مثل نقابات المهن الحرّة تتطلب اتفاقاً بين مجالس مختلفة من أطباء وأطباء الاسنان والصيادلة والمستشفيات والمهندسين والمحامين والصحافة وأصحاب المدارس الخاصة.
إزاء هذه التعقيدات، بدأت تظهر سيناريوهات مختلفة عن مسار تغيير مجلس إدارة الضمان. فثمّة من يروّج بأن كلام عون وبري شبه المتماثل بهذا الشأن، يصبّ في خانة تعيين لجنة مؤقتة في الضمان في انتظار إجراء التعديلات القانونية لخفض عدد الأعضاء إلى 13 أو 11 عضواً. أصحاب هذا الرأي يعتقدون بأن هناك اتفاقاً سياسياً غير معلن على إنجاز مجموعة تعيينات في الإدارات العامة والمؤسسات المستقلة بعيداً عن السجال الدائر حول مرسوم أقدمية الضباط.
أما السيناريو الثاني فينطلق من وجود مشاكل عملانية في إنجاز التسمية من قبل الهيئات المذكورة. وبالتالي فإن الحلّ المتاح قد يكون في ملء الشواغر وتغيير ممثلي الدولة الستة، مما يعني تمديداً جديداً لمجلس الإدارة الممدّد له منذ أكثر من 11 عاماً بحجّة تسيير المرفق العام. ففي حزيران 2007 انتهت ولاية مجلس الإدارة ولم يكن هناك اتفاق سياسي على إعادة تكوينه، فمدّدت الحكومة ولايته لستة أشهر (نهاية 2007). وقبل نهاية الولاية الممددة، في تشرين الأول من السنة نفسها، أقرّ مجلس الوزراء تعديلاً موضعياً تمثّل بتعيين ستة مندوبين عن الدولة.
أكثر من محاولة جرت لكسر هذه الحلقة، إلا انها كلها باءت بالفشل بسبب الهيمنة السياسية على صندوق الضمان بين جهة تسيطر عليه وجهة راغبة بالسيطرة. والمخاوف التي تبرز اليوم تكمن في احتمال تكرّر القصة نفسها. إذ بدأت التسريبات تشير إلى ان التيار الوطني الحرّ يسعى الى استعادة حصّة المسيحيين في الصندوق من حركة أمل، فيما الأخيرة لن تقدم على اي خطوة غير محسوبة النتائج، ولن تخاطر بالتخلّي عن أحد أهم معاقلها لا للتيار الوطني الحرّ ولا لغيره من حلفائها.
أما الوضع الحالي في الضمان فهو مزر بكل المعايير. ومجلس الإدارة القائم بموجب تسيير المرفق العام لا يقوم بالحدّ الأدنى من واجباته تجاه هذه المؤسسة التي تعني أكثر 500 ألف أسرة لبنانية. فعلى سبيل المثال، يغرق المجلس منذ أشهر في درس مشروع موازنة 2017، فيما كان عليه أن يبدأ بدرس مشروع موازنة 2018! وهناك عدد كبير من أعضائه تحوّلوا إلى القيام بأعمال وساطة بين الشركات والضمان وسمسرة تسويات مالية لهذه الشركات على حساب الاشتراكات التي تموّل التقديمات.




2340 مليار ليرة ديون للتحصيل

الوضع المالي في الضمان لا يختلف كثيراً عن وضعه الإداري. فالعجز المتراكم في فرع ضمان المرض والأمومة بلغ 1.14 مليار دولار في نهاية 2016، جرى تمويلها من أموال فرع نهاية الخدمة.
وتتوجب لمصلحة فرع المرض والأمومة ديون على القطاعين العام والخاص بقيمة إجمالية تبلغ 2340 مليار ليرة، أبرزها يتوجب على الدولة بقيمة 1700 مليار ليرة، واشتراكات مترتبة على القطاع الخاص والمؤسسات العامة بقيمة 376 مليار ليرة. وحتى لو سدّد فرع ضمان المرض والأمومة كل التزاماته البالغة 2738 مليار ليرة سيبقى العجز بقيمة 398 مليار ليرة، وهو مرشح للارتفاع خلال السنوات المقبلة من دون أي قابلية لعودة التوازن المالي. ومن أبرز مخاطر هذا المسار، أن حسابات الفرع باتت رهينة المخاطر السيادية الناتجة عن علاقته مع الدولة اللبنانية التي تشكّل حصّتها من المتوجبات نحو 84%، فيما هناك علامات استفهام كبيرة حول ديون المستشفيات وتقديمات الطبابة التي زادت بنسبة كبيرة.