بين شهر إلى ثلاثة أشهر فقط، وستعود قطعان جديدة من الكلاب الشاردة إلى منطقة الغبيري لتأخذ مكان تلك التي قتلت في «المجزرة» التي باتت معروفة للجميع.وإذا كان ما جرى يخالف قانون البلديات نفسها، يبقى أن تسميم الكلاب وقتلها حلٌّ فاشل او، بالحد الأدنى، مؤقت.

إذ تتصرف الكلاب بـ «غريزة القطيع» التي تمنع دخول كلاب جديدة من قطيع آخر إلى المنطقة التي تسيطر عليها. وبالتالي، فإن القتل لن يقضي على ظاهرة الكلاب الشاردة، لأن «خلوّ الساحة» سيسمح لأخرى بالحلول محلها خلال أشهر قليلة. وأحياناً، يكفي تزاوج ذكر وأنثى من الكلاب حتى تلد الأخيرة، خلال شهرين، بين 12 و15 جرواً ستتحوّل سريعاً إلى قطيع جديد!
الكلاب ستعود إذاً. أما الحلّ الأمثل، والأقل كلفة، بحسب طبيب الجراحة البيطرية نضال حسن، فيكمن في «استثمار» غريزة القطيع لديها، عبر إبقائها في بيئتها، بعد تطعيمها وإخصائها بما يحدّ من إزعاجها وعنفها الذي تسببه الذكور قبل التزاوج. ويؤكد حسن أن السيطرة على هذه الكلاب لإخصائها وتطعيمها «يسير جداً لأنها ودودة»، لافتاً الى أن الكلاب التي سُمّمت في الغبيري «ليست كلاب شوارع، وإنما كلاب موجودة في الشارع. فهي كلاب مؤصلة كانت تتربى في البيوت أو في محال بيع الحيوانات، وتم التخلص منها».

الحلّ الأمثل والأقل كلفة يكمن في «استثمار» غريزة القطيع لدى الكلاب

وهذا «واضح جداً في الفيديو المصوّر الذي وُزّع لعملية التسميم، إذ يظهر أن الكلاب كانت من فصيلة German shepherd, Lebrador, Pointer, Malinois». ويوضح أن هذه الكلاب «أليفة كونها تربّت مع البشر، وعندما تلحق بالمارّة لا تكون نيتها الأذية وإنما لأنها كوّنت ذكريات مع الانسان واعتادت أن تعتمد عليه في تحصيل طعامها ومن الصعب أن تعتمد على نفسها. فيما كلاب الشارع، في المقابل، تخاف الإنسان وتهرب منه وهي لا تُرى في شوارع المدن عادة لأنها لا تحب الناس». ويلفت حسن، في هذا السياق، الى أن الكلب الذي يعاني من «الكلَب» أو «الكلب السعران» يكون عادة شرساً مع ضعف في البنية.
وعزا ظاهرة الكلاب الشاردة الى أن «كثيرين يشترون كلاباً ولا يُقدّرون أنها تتطلب الكثير من الرعاية والانفاق، مما يدفعهم في النهاية إلى تركها في الشارع». فتربية كلب إلتزام لـ15 سنة هي عمر الكلب. «وفي الدول الأوروبية حاولوا علاج مشكلة ازدياد الكلاب في الشوارع عبر زرع شريحة تحت جلد الكلب بعد تطعيمه، لمعرفة تاريخ التطعيم ولأي بلدية يتبع ولمعرفة صاحبه».
المزعج للناس، بحسب حسن، هو وجود الكلاب نفسها. وهذه تحتاج إلى ثقافة عامة تجعلهم يألفونها ولا يخشونها أو يؤذونها. «واللبنانيون إجمالاً يمتلكون ثقافة، لكن البعض، خصوصاً من المراهقين، تربوا على أن الكلب يؤذي لذلك يؤذونه، وأحياناً يتسلون بضربه. في حين الكلب لا يهجم إلا على من يهجم عليه». أضف الى ذلك أن هناك نصوصاً دينية كثيرة تدعو للرأفة بالحيوانات ينبغي تظهيرها، خصوصاً في بعض البيئات التي تعتبر الكلاب مرادفاً للنجاسة.
كتب عالم الأعصاب غريغوري برنز في صحيفة «نيويورك تايمز» عام 2013 أن «الكلاب بشر أيضًا». قد ينطوي هذا الكلام على مبالغة ما، لكن لا شك أن للكلاب مشاعر وعواطف وهي تدرك بطريقة أو بأخرى ما يلحقها من خير أو أذى. و«مجزرة» الغبيري الأخيرة يجب أن تفتح الباب حول الحلول المثلى لمعالجة مشكلة الكلاب الشاردة، إن عبر استيعابها في مآوٍ، أو عبر تسليمها للجمعيات التي تعنى بالحيوانات. علماً أن التعامل مع أعداد كبيرة من الكلاب قد لا يكون في طاقة البلديات، أو حتى الجمعيات التي يثار الكثير من التساؤلات حول أدائها. لكن هذا موضوع آخر.