لعلَّ الفيديو «السِّلفي» الذي صوَّره «أمير الكبتاغون» عبد المحسن بن وليد آل سعود (ضُبط مُتلبّساً بتهريب نحو طنين من حبوب الكبتاغون في مطار بيروت في تشرين الأول عام ٢٠١٥) هو الأفصح تعبيراً عن وقاحة الأجهزة القضائية والأمنية التي لم تُحرِّك ساكناً، رغم نشر تقارير عدة تتحدث عن الرفاهية الاستثنائية التي يحاط بها سليل آل سعود. هذه الأجهزة المستسلمة للأوامر السياسية خدمةً لـ«سمو الأمير»، أحرجها الفيديو الفضيحة الذي نشرته قناة «الجديد»، قبل يومين، والذي أثبت بالصوت والصورة وعلى إيقاع أنغام الموسيقى أنّ «الأمير» السعودي يعامل كما لو أنه نزيل في فندق خمس نجوم. وقد ظهرت في الفيديو الغرفة الخاصة التي تُفرَد لـ«سمو الأمير»، المزوّدة بكل وسائل الراحة، مضاءة بالشموع في أجواء رومانسية، بحضور «نديم» من قوى الأمن الداخلي هو الرقيب ش. ص. شارك الأمير «الأوف» والطعام والشراب في عيد ميلاده، فيما يُكدّس عشرات الموقوفين في نظارة ضيّقة في مكتب مكافحة المخدرات المركزي.

الأمير السعودي كان يغنّي ويرقص ويسكر فرحاً ويصوِّر «السِّلفي»، فيما الموقوف الستيني عدنان ذياب، قبل أشهر، بما يشبه الإعدام، توفي في نظارة تبعد أمتاراً قليلة بعد حشره مع ٢٧ موقوفاً في غرفة صغيرة تتسع لثلاثة أشخاص. لم يسمع عناصر المكتب استغاثاته فقضى اختناقاً من دون أن يرفّ جفن لأيٍّ من المسؤولين. هكذا يُحشر الموقوفون في «غرفة الإعدام» التي لا ترقى لتكون زريبة للحيوانات، فيما يقضي الأمير محكوميته في غرفة مكيّفة، مشمسة، يصل إليها الطعام الساخن من طبّاخ يزوره يومياً، والثياب من المصبغة، بوجود هاتف خلوي، وزيارات مفتوحة، و«كوافير» يرتّب له شعره، ويهتم بنضارة بشرته.
معظم المارة أمام مقرّ ثكنة يوسف حبيش (تضم مكاتب مكافحة المخدرات والقمار وحماية الآداب العامة)، التي تشتهر بـ«مخفر حبيش»، يصادفون أناساً يقفون منتظرين دورهم لزيارة أقاربهم من الموقوفين لساعات، فيما زوّار «الأمير» مُكرَّمون.
قيادة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي كانت تُبرّر في وقت سابق العناية الخاصة التي يحظى بها «الأمير»، بالحرص على العلاقة الجيدة مع السعودية والحرص الأمني على حياته إذا ما نُقل إلى سجن رومية المركزي. وإذا كانت صادقة في قولها هذا، فلماذا لا تنقُل هذا الموقوف إلى «مبنى فرع المعلومات» في سجن رومية المركزي الذي يخضع لحراسة خاصة من ضباط الفرع وعناصره، أم أنّ الأوامر السعودية تقضي بإبقائه بالقرب من «حرم السفارة» كي لا يشعر بالغربة والوحدة؟
وقد علمت «الأخبار» أنّ الفيديو تم تصويره بهاتف الرتيب في قوى الأمن، المكلّف المناوبة في مكتب مكافحة المخدرات المركزي، علماً بأنّ التحقيق الذي أمر بإجرائه الضابط الذي تسلّم رئاسة مكتب مكافحة المخدرات العقيد هنري منصور قبل نحو أسبوع، خلفاً للعميد غسان شمس الدين، بيّن أنّ الفيديو تم تصويره قبل نحو سنة، وأنّ «هيئة» الموقوف السعودي اليوم تختلف عن الصورة التي ظهر بها في الفيديو. لكن لم يكشف التحقيق كيفية تسريب هذا الفيديو أو الأسباب الكامنة خلف هذا التسريب.
والجدير ذكره أنّ «تغنيج» الموقوف السعودي كان أمراً عسكرياً خلال فترة رئاسة العميد شمس الدين لمكتب مكافحة المخدرات، لكنّه كان بالتحديد نابعاً من أوامر القيادة الأمنية والقضائية، ومن خلفها السياسية، للسهر على راحة «الأمير» كي تكون «طلباته أوامر». وعليه، بعد هذا الفيديو، لم يُعرف بعد إذا ما كان القرار بإبقاء القديم على قدمه سيبقى سارياً أو أن القيادتين السياسية والقضائية ستخجلان وتنقلانه إلى السجن.




«كوكايين المطار» لمن؟

أحالت مديرية الجمارك الموقوفين الخمسة، المشتبه فيهم في قضية تهريب ٣١ كيلوغراماً من الكوكايين، من كراكاس إلى بيروت عبر باريس، إلى مكتب مكافحة المخدرات المركزي منذ ثلاثة أيام. وعلمت «الأخبار» أنّ ضباط الجمارك أنهوا تحقيقاتهم مع الموقوفين الذين اعترف معظمهم بما نُسب إليهم، باستثناء الضابط توفيق ع. الذي أصرّ على الإنكار، رغم ظهوره في كاميرات المراقبة يجرّ الحقيبة التي تحتوي كميات الكوكايين إلى جانب الموقوف علي أ. الذي انتحل صفة قنصل. كما ظهر الضابط وهو يجادل عناصر الجمارك الذين أصرّوا على تفتيش الحقيبة. وعلمت «الأخبار» أنّ الموقوفين هم إلى الضابط و«القنصل» المفترض، العسكري وسام م. والسيدة الفنزويلية التي اعترفت بقبض مبلغ ٧ آلاف دولار مقابل إيصال الحقيبة، إضافة إلى موقوف خامس، لم تُكشف هويته بعد، كان ينتظر خارج المطار لتسلّم الحقيبة التي كانت تضم الكوكايين الموضب داخل علب هدايا. ورغم أنّ التحقيقات تجرى بإشراف مباشر من رئيس مكتب مكافحة المخدرات المركزي، لم تُكشَف بعد هوية التاجر الرئيسي الذي كان يُفترض أن يتسلّم المخدرات المضبوطة. ولم يُعرف بعد إذا ما كان الضابط الموقوف متورطاً في تجارة المخدرات بشكل مباشر، أم أنّه وسيط متواطئ يُستعان به في عمليات التهريب من دون معرفته بالمواد المهرّبة؟