الإشكال بين التيار الوطني الحر والحزب العربي الديمقراطي لم ينحسر بعد. القصة التي بدأت يوم الأحد الفائت، عندما افتتح الوزير جبران باسيل مكتباً للتيار في جبل محسن، مُستمرة في التفاعل، وبدأت تخرج من إطار «الجبل» إلى نقاش يشمل كلّ المكونات السياسية في طرابلس.
يمكن تلخيص هذا النقاش في ثلاث نقاط: النقطة الأولى تتعلّق «بخطورة محاولة تشتيت البلوك العلوي» في طرابلس، بحسب مصادر سياسية متنوعة في عاصمة الشمال. وتشرح بأنّ أياً من القوى السياسية في المدينة «لا تملك قدرة التجيير التي لدى العلويين. معظم القوى لديها جماعاتٍ موالية لها في جبل محسن، ولكن الجميع مُتفق على تحييد الجبل، نظراً للخصوصية التي يتمتع بها». والخطورة أيضاً، كما يقولون، في مبادرة باسيل إلى افتتاح مكتب حزبي، أنّ «آخرين، كالوزير السابق أشرف ريفي على سبيل المثال لا الحصر، سيتجرأون الآن على العمل السياسي في الجبل، واستغلال واقع أنّه منطقة محرومة لجذب الناس من طريق الخدمات، تماماً كما فعل باسيل».

يتهم سياسيون طرابلسيون باسيل بتخييرهم بينه
وبين فرنجية


النقطة الثانية التي كشفت عنها زيارة باسيل هي «صراع النفوذ بينه وبين النائب سليمان فرنجية». فخلال المؤتمر الصحافي الذي عقده عضو المكتب السياسي في الحزب العربي الديمقراطي علي فضّة، كشف عن طلب مسؤول في التيار الوطني الحرّ بأن «نختار بين التيار العوني أو تيار المردة». وبحسب مصادر سياسية طرابلسية، فإنّ باسيل «يعتمد هذا النهج مع كلّ الحلفاء المشتركين بينه وبين قيادة بنشعي. والوزير السابق فيصل كرامي، من بين الأطراف الذين اتُّهموا بأنّهم على علاقة جيدة مع فرنجية، وطلب منه مسؤولون عونيون الاختيار بين المردة أو الوطني الحر». يعتقد وزير الخارجية أنّه من باب الخدمات، والحركة الحزبية، «قادرٌ على الأكل من صحن المردة، اختراق شارعٍ يوالي فرنجية بالدرجة الأولى». ولكن بحسب المصادر الطرابلسية، «فرنجية يُعتبر الحليف الأول للعلويين، ولم يتخلّ عنهم. كذلك فإنّه مقبولٌ في الشارع الطرابلسي أكثر من التيار العوني. والعلاقة الثلاثية بين القيادة السورية ــ فرنجية ــ العلويين، قد تؤدي إلى أن يُسمّي فرنجية المُرشح العلوي في الانتخابات المقبلة، الذي سيكون لديه الحظوظ الأكبر للفوز».
أما النقطة الثالثة، «التي تنبّهنا لها» بحسب المصادر، فهي «محاولة باسيل تسويق رئيس الحكومة سعد الحريري في جبل محسن. يريد وزير الخارجية أن ينتسب العلويون إلى تياره، ويعدهم بالخدمات، فيُجيرهم أصوات انتخابية للائحة التي ستجمعه مع تيار المستقبل». ما تتحدث عنه المصادر يوضَع حتى الساعة في إطار النيات، لغياب أي دليل حسي على اتهاماتهم. إلا أنّها تؤكد أنّها «ستواجه أي محاولة لإعادة تعويم التيار الأزرق في طرابلس». ويلفت أحد المسؤولين الحزبيين المُقربين من القيادة السورية إلى أنّ «90% من الأصوات العلوية تتأثر بالقرار السوري. والنظرة السورية لتيار المستقبل تختلف عن نظرة حزب الله له. قد يعتبر الأخير أنّ من مصلحته بناء تفاهم داخلي مع الحريري، ولكن بالنسبة إلى دمشق، يبقى رئيس الحكومة اللبنانية مشاركاً سلبياً في الأحداث السورية».
في «الجبل» خصوصية تتعلّق بالطائفة العلوية، التي تتصرّف كأي فريق أقلوي، هاجسه المركزي الحفاظ على كيانه ووحدته. قلق العلويين «مُبرّر، ونحن يجب أن نفهمه. فكلّ منطقة وضعها الخاص»، تقول مصادر في فريق 8 آذار من خارج طرابلس. حاول حزب الله، قبل زيارة باسيل للجبل، التواصل مع وزير الخارجية، «ليأخذ الأخير ما سبق بالاعتبار ويُنسّق مع العربي الديمقراطي». لم يستجب وزير الخارجية لأنّه «لم يكن يتصور أنّ الأمور ستأخذ هذا المنحى. اعتبر أنّه يريد أن يُنظّم تياره، والعربي الديمقراطي حليفه».
تشرح مصادر 8 آذار أنّ مشكلة «العربي الديمقراطي» ليست مع أهداف التيار الوطني الحر «التوسعية»، بل «لا يريد أن تأخذ بقية الأطراف السياسية في طرابلس، من تحرّك باسيل، حجّة لتُحاول شقّ صفوفه». على الرغم من ذلك، «الإشكال غير مُرشَّح للتفاقم، فما حصل خلاف تكتيتي وليس استراتيجياً. الخلاف لن يطول». لا توافق مصادر «العربي الديمقراطي» على ذلك، «الآن بدأت القصة». استفزّهم أنّ باسيل «تعامل معنا بمنطق التحدّي».
في المقابل، لا يزال مسؤولو التيار الوطني الحر مُصرين على أنّه «ببساطة بات هناك عدد من المنتسبين يتخطى الحدّ الأدنى اللازم لافتتاح مركز حزبي يجتمعون فيه. بأي منطق ممكن أن نردّ أي لبناني جاءنا طالباً الانتساب إلى تيارنا؟». ولكن المسؤولين في الحزب العربي الديمقراطي يتهمون «التيار» بأنّه أغرى العلويين بالوعود والخدمات من أجل الانتساب. ينفي المسؤول العوني ذلك، مُستطرداً: «لو صحيح أننا تعاملنا مع العلويين بهذا المنطق، فلماذا لم يكونوا أشطر منّا ويُقدموا لهم الخدمات؟ الذين انتسبوا إلى التيار، هم اختاروه لأنّهم وجدوا فيه خشبة خلاص». أما في ما خصّ محاولات باسيل لتسويق تيار المستقبل بين العلويين، «فكلمة الوزير في جبل محسن واضحة، ولا توجد نيات خفيّة».