سليمان فرنجية، المُرشح إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية، يتصرّف كما لو أنّه «ينأى بنفسه» عن الأحداث السياسية اللبنانية. من الأساس، يتعامل نائب زغرتا مع السياسة كواجب فُرض عليه، ففضّل أن يُخصّص أولويته لهواياته... ولبنشعي. أتى توريث ابنه طوني، المقعد النيابي في زغرتا، ليُزيح عن كاهله حملاً يعتبره ثقيلاً.ولكن الخلاف بين التيار الوطني الحر وتيار المردة حول رئاسة الجمهورية انعكس سلباً على فرنجية الذي زاد من «تقوقعه». سنة مرّت على انتخاب الرئيس ميشال عون، من دون أن يتمكن «المردة» من حسم خياراته وتموضعه. ميّز بين «العهد» من جهة، والتركيبة الحكومية من جهة أخرى، فحافظ على مسافةٍ مع الأول، يفرضها التحالف الاستراتيجي مع حزب الله، وقدّم نفسه «معارضة من داخل الحُكم» في الحالة الثانية. مع ذلك، بقي «المردة» يتعامل مع الملفات ومعارضته بخفرٍ شديد. حصلت الأزمة مع رئيس الحكومة سعد الحريري، وكان يُنتظر من تيار المردة أداءً مُعيناً، إلا أنّه أتى دون مستوى الموقف الذي اتخذه رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط وحزب الله.

كانت تغريدات فرنجية أشبه بموقف «اللا موقف»، من دون أن يفرض نفسه عنصراً أساسياً داخل «خليّة الأزمة» لإنقاذ الحريري من الاحتجاز. التبرير في حينه كان «الالتزام بالموقف الرسمي للدولة، والتنسيق مع حزب الله».
قبل أزمة رئيس الحكومة، كان «المردة» يُعوّل على «تنسيقٍ» ما مع القوات اللبنانية والأحزاب والشخصيات المعارضة للعهد، من أجل كسر التيار الوطني الحر في الانتخابات النيابية، والاستفادة من «النقمة الشعبية» على أداء الحكومة، لتشكيل كتلة وازنة في مجلس النواب. أطاحت التطورات السياسية هذه الأماني، ولا سيّما مع ما يُحكى عن «تحالف خُماسي» بين التيار العوني وحزب الله وحركة أمل وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، أحد أهدافه إخراج حزب معراب من المشهد. استناداً إلى ذلك، يُصبح من الصعب على «المردة» أن يُكمل وفق الاستراتيجية القديمة، ولا سيّما أنّ رئيسه يطرح نفسه رئيساً للجمهورية في المرحلة المقبلة.

خلال احتجاز
الحريري، بدت تغريدات فرنجية أشبه
بـ«اللا موقف»
بدأ الحديث في الإعلام عن جهودٍ يقوم بها حزب الله لوصل ما انقطع بين الحليفين السابقين، وعقد لقاءٍ بين فرنجية والوزير جبران باسيل.
تبدأ مصادر سياسية مُطّلعة على أجواء بنشعي الحديث بالقول إنّ «داخل المردة جناحاً، يُمثله الوزير يوسف فنيانوس، يرى أنّه في حال الاتفاق على تحالف خماسي في الانتخابات، يجب أن يضم التحالف فرنجية أيضاً»، لذلك يبدو من المتحمسين لعقد مصالحة. وهناك رأيٌ آخر يعتقد بأنّ الظروف السياسية ستتبدّل قبل الوصول إلى موعد الانتخابات، «انطلاقاً من أنّ الحريري لا يُمكن أن يذهب في خصامه مع السعودية إلى مستوى مُتقدّم». ولكن في الحالتين، ثمة نقطتان أكيدتان تذكرهما المصادر. أولاً، «لا أحد عتلان همّ المردة في دائرة الشمال الثالثة، في حال عدم اقتناع فرنجية بالانضمام إلى التحالف العريض، بسبب القانون النسبي الذي يحميه، على العكس من دورة 2005». والأمر الثاني، «لا يوجد في المدى القريب أي مبادرة مصالحة مع التيار الوطني الحر، أو لقاء بين القيادتين». وتقول بصراحة إنّ فرنجية «لا يريد ذلك قبل الانتخابات النيابية، وهو لن يقوم بالمبادرة لزيارة باسيل حتى لو أدى ذلك إلى خسارته!»، رغم أنّ رئيس «المردة» أعلن أمس بعد زيارته الحريري أنّ أبوابه مفتوحة لباسيل ساعة يشاء. وقال إنّه «في الانتخابات النيابية لن نكون بعيدين عن الحريري».
كلّ ما يُحكى عن مصالحة، «لم تتبلغ به المردة مباشرةً». الحديث كان على مستوى «أنّ المصلحة تقتضي أن يجتمع كلّ الحلفاء، لا أكثر من ذلك». ولكن، تبقى الأمور رهن التطورات السياسية. فإذا فرضت الظروف تنسيقاً وتحالفاً بين مكونات 8 آذار، أو وجود «المردة» في التحالف الخماسي، «عندئذٍ يجب على حزب الله أن يجد الصيغة للتلاقي بين التيارين». تُقرّ المصادر المُقربة من «المردة» بوجود «مُشكلة لدى الأخير تستوجب حركة مختلفة وطريقة أخرى في التعامل مع الملفات. هناك دورٌ مطلوب من فرنجية عليه أن يؤديه».
مصادر التيار الوطني الحر تبدو أيضاً جازمة وهي تقول: «المصالحة غير واردة حالياً». والسبب؟ «مش عم تركب بيناتن». المقصود بـ«هما» فرنجية وباسيل. لا يُمكن وصف السبب إلا بـ«التافه»، مُقارنةً بالمصلحة الاستراتيجية والسياسية التي تقتضي أن ينزل الرجلان من عليائهما ويقوما بتنازلٍ ما، لإتمام الصلحة. بالنسبة إلى التحالف الخماسي وانضمام «المردة» إليه، تشرح مصادر العونيين أنّ الحديث عن هذه النقطة «لا يزال في إطار النظريات. وحتى لو تم الاتفاق عليه، التحالفات ستكون وفق خصوصية كلّ دائرة. مع المردة، لا يوجد تقاطع ولا مصلحة انتخابية».