طوال أكثر من عام، امتهن الوزير السابق أشرف ريفي لعب دور «حامي» سياسات السعودية والإمارات العربية المتحدة في لبنان، وحارس «إرث» رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، والملكي أكثر من تيار المستقبل ورئيس الحكومة سعد الحريري. عَوَّل على التسوية الرئاسية، وعلى أخطاء التيار الأزرق في السلطة، والتراجع الشعبي الحادّ، من أجل تقديم نفسه بديلاً في «الساحة السُّنية».
ولم يكن تاريخ 4 تشرين الثاني، وما أُطلق عليه تسمية «استقالة سعد الحريري» من رئاسة الحكومة، سوى محطّة عبور أرادها ريفي لتثبيت وجوده أكثر فأكثر. ولكنّ حسابات اللواء المتقاعد، المُتهم من قِبَل مسؤولين في «المستقبل» بأنّه أحد «كتبة التقارير» والمُحرضين ضدّ الحريري، لم تتواءم مع ردّ فعل الشارع الطرابلسي تجاه الأزمة. فلا شعبية ريفي تطورت، على العكس من الحريري الذي كَسِب عطفاً شعبياً كبيراً، ولا حُكّام «مملكة الوصاية» خلعوا عباءة الوراثة على كَتِفي الوزير السابق. أمّا «الحرب» بين مناصريه والمستقبليين في طرابلس، فإلى مزيد من التعقيد. ويظهر أنّ الارتباك يُسيطر على ريفي ومسؤولي فريقه، خاصة بعد أن أعلن الحريري التريث في موضوع استقالته، وعدم صدور أي تعليق سعودي على الموضوع، وإبعاد الوزير ثامر السبهان عن الملّف اللبناني.

أرجأ ريفي تحرّكاً شعبياً كان يُعدُّ له دعماً للسياسة السعودية

فبعد أن كان مُقرّراً، مثلاً، أن ينظّم ريفي تحرّكاً شعبياً في طرابلس الأسبوع الماضي، دعماً للسياسة السعودية، تأجل الأمر بحجة «أننا الآن في حالة ترقب»، على ما يقول مسؤولون في فريق عمله. ترّقب ماذا؟ وألا يدلّ ذلك على انتفاء قدرتكم على تنظيم أي تحرك وتراجعكم الشعبي؟ «والله العظيم وضعنا أقوى من قبل. ولكن نترقب موقف صاحبنا (الحريري)، لنرى إن كان التريث في الاستقالة من رئاسة الحكومة يعني تركه الخط السعودي والالتحاق بالمحور السوري ــ الإيراني»، يردّ المقربون من ريفي. لا يبدو ما تقوله المصادر مُقنعاً، خاصة أنّ ريفي «القديم» ما كان ليُفوت فرصة تُمكنه من إظهار نفسه قابضاً على نبض الشارع، والرجل الذي يتكلّم لغة «أهله». على العكس من ذلك، يعاني الوزير السابق شعبياً، نتيجة التحركات الاحتجاجية على فشل المجلس البلدي الذي تبنّى ريفي فوزه في انتخابات أيار 2016.
قبل أقلّ من ستّة أشهر على الانتخابات النيابية، يظهر وكأنّ الوزير السابق بحاجة إلى أدوات جديدة من أجل «تعويم» نفسه شعبياً. لذلك، بدأت ماكينته بثّ أخبارٍ تستهدف تيار المستقبل، والأجهزة الأمنية التي تقع تحت «وصايته السياسية». يروّج الريفيون كلاماً مفاده أنّ مستشار الحريري لشؤون الشمال عبد الغني كبارة «يُطالب اللواء باسترداد مبلغ 4 ملايين ونصف مليون دولار، كان تيار المستقبل دفعها له بين عامَي 2013 و2014. علماً أنّ ريفي لم يتسلم أي أموال». إضافةً إلى ما يقوله مصدر مُقرب من ريفي عن «تلّقي عاملين مع ريفي تهديدات من جهات أمنية وسياسية في المستقبل». تردّ مصادر رفيعة المستوى في تيار المستقبل بالتأكيد «أنّنا قدّمنا سابقاً أموالاً لريفي، ولكن لم يسبق لنا أن طالبناه أو طالبنا غيره بأي شيء». بدوره، ينفي كبارة لـ«الأخبار» ما تُردّده مصادر ريفي، قائلاً: «ما بحياتي سمعت بهيك شي»، رابطاً هذه الشائعات باقتراب موعد الانتخابات النيابية.
التعاطف الذي حصل عليه الحريري، نتيجة أزمته، «أدّى إلى ارتفاع شعبيته، وهو في مكانٍ ما ينعكس سلباً على ريفي»، تقول مصادر الأخير. إلا أنّ ذلك «ليس كافياً لمعرفة تطور الخيارات السياسية للناخب الطرابلسي، نتيجة سببين. أولاً، ما حصل مع الحريري يُعتبر موجة عاطفية. ثانياً، لا نعرف بعد كيف ستتطور الأمور». وتضيف المصادر أنّ الصدمة التي سبّبتها الاستقالة، «ما لبثت أن انحسرت نتيجة قرار التريث. هناك خيبة أمل في الشارع، ولا سيّما من الأشخاص الذين تفاءلوا بأنّ الحريري عاد إلى الثوابت».
عطّل قرار التريث مُحركات عددٍ من التيارات والأحزاب السياسية في طرابلس. السبب الرئيسي، هو الصمت السعودي الذي رافق التطورات المحلية، وعدم توزيع الرياض «أمر اليوم» على السياسيين المتأثرين بها. يقول أحد المسؤولين السياسيين في طرابلس إنّ «الضياع ينسحب على تيار المستقبل وريفي على حدّ سواء». ليس واضحاً بعد «إن كان الحريري يُنسّق تحركاته مع المملكة أو لا. فالأخيرة لم تُبدِ إشارات سلبية ولا إيجابية. كذلك، لم يُظهر الحُكّام السعوديون إن كانوا قد قرّروا استبدال زعيم السنّة في لبنان. كلّ ذلك، يؤدي إلى تكبيل تحركات السياسيين». إلا أنّ الأمر، من وجهة نظر المصدر نفسه، لا يعني اقتراب نهاية ريفي كما يُبشر «متفائلون»، ويوضح أنّ «ريفي لا يزال موجوداً، وهو ينتظر موقفاً من السعودية. كذلك من المُبكر حسم التوجهات السياسية للطرابلسيين. فماذا لو قرّرت السعودية مساعدة ريفي من جديد؟».
يُعيد المُقربون من ريفي الحديث عن انتهاء دوره، إلى «الحرب التي تُشنّ عليه، ولكن في النهاية لديه جماعته». البعض في طرابلس تأثر بموجة أنّ ريفي هو من «رجال السبهان»، وحُمّل جزءاً من مسؤولية ما حصل للحريري. بالنسبة إلى المقربين من اللواء المتقاعد، «ريفي يُعبّر عن رأي السعوديين، وعلاقته بولي العهد محمد بن سلمان أقوى من علاقة الأخير بالحريري، ولكن هل كان قادراً على تنفيذ سياسة المملكة، وهل اتُّخذ القرار باستبدال الحريري بريفي؟ لا يبدو». سؤال آخر، بصيغة التشكيك، يطرحه هؤلاء: «هل لا يزال هناك تأثير للسعودية في لبنان؟ الطايسة ضايعة».