تمكن رئيس الجمهورية ميشال عون، أمس، عبر المشاورات التي أجراها في قصر بعبدا، بالتنسيق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة سعد الحريري، من التوصل إلى مخرج لائق لإعادة الحكومة إلى الحياة مع حفظ ماء وجه الحريري. ويحظى عون بتفويض واضح من غالبية القوى الرئيسية في البلاد، على رأسها بري والحريري والنائب وليد جنبلاط وحزب الله وحلفاؤه، من أجل التوصل إلى حل يضمن استمرار التسوية.
وكان واضحاً أن رئيس الحكومة تقصّد التصعيد في لهجته تجاه حزب الله خلال حديثه أمس إلى وسائل إعلام أجنبية ترافقاً مع هذه الأجواء. ولفتت مصادر معنية بالمشاورات إلى أن الحريري يريد من جهة رفع سقف خطابه لتوجيه رسالة إلى الخارج، مفادها أن عودته إلى الحكومة لا تعني تقديم تنازلات لحزب الله، بل على العكس من ذلك، فإنه سيتشدد مع الحزب. لكن المصادر لفتت إلى أن هذا التصعيد خطابي أكثر منه سياسياً.
وأشارت مصادر مستقبلية لـ«الأخبار» إلى أن احتمال الاستقالة لا يزال وارداً وأن «رئيس الحكومة ينتظر أجوبة بشأن الطائف ومبدأ النأي بالنفس والعلاقات مع الدول العربية، وهو يتعامل مع هذا الأمر بجدية». فهو كان واضحاً لجهة أن «تريثه هو لإعطاء فرصة لمناقشة وبحث تحييد لبنان وإبعاده عن حروب المنطقة، وتطبيق سياسة النأي بالنفس التي لا بد أن نجد صيغة لها».

جنبلاط: من الأفضل أن لا نثير موضوع السلاح حالياً، فهو أمر غير مجدٍ

ومن باب التحليل لا المعلومات، أشارت المصادر إلى أن «الحريري ملتزم الإجابة عن هذه الأسئلة أمام المملكة العربية السعودية، لأنه لا يمكن أن تمُرّ الأمور كأن شيئاً لم يكُن». وأضافت: «هو يؤكّد أنه غير ملتزم تجاه الرياض بشيء، لكن رغم أن الأمور لن تعود بينهما إلى سابق عهدها ولا بأي شكل من الأشكال، فإنه لن يخرج من تحالفه كلياً معها. كذلك إن الضمانات التي يطلبها والتي من المفترض أن تقدمها له الأطراف الأخرى قد تكون مقدمة للتمايز في أماكن معينة عن سياسة المملكة». إلا أن مصادر أخرى تجزم بأن ملف الاستقالة قد طُوي والبحث اليوم يتعلّق بالإخراج الشكلي لعودة الحكومة إلى الاجتماع، بما فيه البيان الذي يفترض أن يصدر عنها عقب عودة الرئيس عون من روما. وتقول المعلومات إن السيناريو المتوقع يقضي باجتماع مجلس الوزراء وإصداره بياناً توافق عليه غالبية الوزراء، ويتعلق بكل القضايا الخلافية المطروحة على طاولة البحث، وأبرزها مسألة النأي بالنفس. وقالت مصادر متابعة لمشاورات قصر بعبدا إنّ رئيس الجمهورية لم يكتفِ بسؤال رؤساء الأحزاب والكتل النيابية التي التقاها عن ملفات النأي بالنفس، واتفاق الطائف، والعلاقات مع الدول العربية، بل سأل عن الاعتداءات الإسرائيلية والإرهابية، وما هو الموقف منها، وما اقتراحات أصحاب مبدأ النأي بالنفس لمواجهة هذه الاعتداءات؟ وكيف سيُطبق في ملف كموضوع النازحين السوريين؟ وترى المصادر أنّ الهدف من المشاورات «طمأنة رئيس الحكومة وتقوية موقفه». وأتى موقف النائب وليد جنبلاط في نفس السياق، حيث أعلن أنّ من الأفضل «أن لا نثير موضوع السلاح حالياً، فهو أمر غير مجدٍ». وتقول المصادر إنه لن يكون هناك تعديلات في البيان الوزاري، أو حديث عن استراتيجية دفاعية.

الحريري: أريد البقاء رئيساً للحكومة

بالتزامن مع مشاورات بعبدا، أكّد الحريري أنّه سيستقيل «إذا لم يقبل حزب الله بتغيير الوضع الراهن»، مشيراً إلى أنّ «التوازن الحكومي قد يتغيّر بناءً على المشاورات القادمة، وأنا مستعدّ لانتخابات مبكرة». وركّز الحريري، في مقابلة مع قناة «Cnews» الفرنسية، على أنه يودّ أن يبقى «رئيساً للوزراء وما حصل في السعودية سأحتفظ به لنفسي»، لافتاً إلى أنّ «حزب الله يتدخّل في كلّ الدول العربية وأنا من كتب بيان الاستقالة، وأردت إحداث صدمة إيجابية من خلالها». وقال إن على «حزب الله إظهار الحياد في الصراعات الإقليمية، وألّا يتدخل خارجياً»، مشيراً إلى أن «إيران سبب تدخل الحزب في أنحاء المنطقة». كذلك، كشف الحريري أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيزور لبنان في آذار المقبل. من جهة أخرى، شدّد رئيس الحكومة في تصريح لقناة «أم تي في» على «أنّني أريد أن يبقى لبنان مستقرّاً، وأنا أعمل لأجل مصلحة البلاد والأجواء إيجابيّة، وسنكون على قدر طموحات الشعب اللبناني». وحول إمكانيّة عقد جلسة حكوميّة الأسبوع المقبل، دعا إلى «انتظار المشاورات».
وكانت المشاورات قد بدأت في قصر بعبدا منذ صباح أمس، حيث أجرى عون لقاءات ثنائية بالأحزاب اللبنانية الرئيسية. وأعلن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، بعد لقائه رئيس الجمهورية، أنه تطرق وإياه إلى عدة أمور، وأبرزها عودة النازحين السوريين إلى المناطق الآمنة. وعن موضوع النأي بالنفس، قال جعجع: «هناك أزمة كبيرة على مستوى الشرق الأوسط ونأي لبنان عن الصراعات بالفعل لا بالقول عبر الخروج من الأزمات في المنطقة». وفي تراجع واضح عن التصعيد القواتي السابق في ما خص حزب الله، قال جعجع إن موضوع سلاح الحزب مطروح يميناً ويساراً، ولكن يمكننا أن نذهب إلى مرحلة كما يقال «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم». فالسلاح «يجب أن يطرح من خلال القرار العسكري والأمني وحصره بيد الدولة، ولا سيما أن حزب الله وكل الأفرقاء موجودون في هذه الدولة، فأين الإشكالية في ذلك؟». ولفت إلى أنه لن يخرج من الحكومة إلا عندما يقرر ذلك، «فاليوم يعاد النظر في التسوية». من جهته، طلب النائب سامي الجميِّل «الحياد الكامل للبنان وليس النأي بالنفس». أما رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال أرسلان، ورئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف، فطلبا إيضاح عبارة «النأي بالنفس». فيما أعلن رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، أن البحث تعلق «بحماية لبنان وضمان استقلال قراره واستئناف عمل حكومته وعودة الحياة السياسية إلى طبيعتها»، في الوقت الذي أثنى فيه ممثل تيار المردة الوزير يوسف فنيانوس على جهود الرئيس عون، متمنياً «استمرار عمل الحكومة والتزام بيانها الوزاري». وهو الكلام نفسه الذي قاله ممثل حركة أمل وزير المال علي حسن خليل، إذ أكد التزام لبنان وحكومته الثوابت التي جرى الاتفاق عليها وصياغتها في البيان الوزاري.
في سياق آخر، أشار وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق إلى أن وزارته «ماضية في الإعداد للانتخابات النيابية المقبلة»، مؤكداً أن «الوضع الأمني تحت السيطرة بفضل الجهد الدائم لمختلف الأجهزة الأمنية والتنسيق المستمر القائم بينها».