تحوّلت جلسة لجنة الاتصالات النيابيّة أمس إلى ما يشبه جلسة «محاكمة» علنيّة لوزير الاتصالات جمال الجرّاح، على خلفية ملفّ شركة «جي دي اس»، والتحقيق الذي نشرته «الأخبار» عن إعطاء الجرّاح مواد ومعدّات من أملاك هيئة «أوجيرو» للشركة المذكورة، بحجّة قيام الأخيرة بأعمال لمصلحة الهيئة.
ومع أن البلاد تمرّ في ظروف سياسية قاسية، إلّا أن اللجنة عقدت اجتماعها أمس وناقشت «الارتكابات الكبيرة التي تحصل»، لما لملفّ الاتصالات من أهميّة، على ما تؤكّد مصادر في اللجنة. واختصر أكثر من نائب اجتماع أمس بالحديث عن وجود عيوب في قرارات الوزير الأخيرة، و«فوضى منظّمة غير مسبوقة لتدمير قطاع الاتصالات وهيئة أوجيرو وليبان تيليكوم لحساب الشركات الخاصّة»، فضلاً عن تأكيد اللجنة ضرورة فسخ قرار الوزير المطعون فيه أمام مجلس شورى الدولة، بالإضافة إلى تحرّك النيابة العامة المالية للتحقيق في عمليات تسليم معدات وكابلات لـ«جي دي اس» من «أوجيرو»، كما أشار رئيس اللجنة النائب حسن فضل الله بعد الاجتماع.

فوضى منظّمة غير مسبوقة لتدمير قطاع الاتصالات لمصلحة الشركات الخاصّة


وبعد أن افتتح فضل الله الجلسة بمقدّمة سياسيّة، مؤكّداً ضرورة عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان، أعطى الكلام للجراح، للردّ على أسئلة الجلسة الماضية. وبحسب أحد النواب الحاضرين، قدّم الجرّاح عرضاً بانورامياً للملف، تمحور حول «حرصه على المال العام»، مؤكّداً أن المعدات التي تسلمها الوزارة للشركة هي بهدف القيام بأعمال لـ«أوجيرو» وليس للشركة. ثمّ تولّى النائب ياسين جابر الكلام، مؤكّداً للجراح أن قراره تلزيم شركة «جي دي اس» الأعمال استند إلى مرسوم صدر عام 1996، بينما صدر في عام 2002 قانون الاتصالات، والقانون يلغي المرسوم، سائلاً وزير الاتصالات لماذا لم يأخذ الأمر في الاعتبار؟ ولماذا تذكّر هذا المرسوم بعد سنوات طويلة؟
وتحدّث النائب عبّاس هاشم عن المعلومات التي نشرتها «الأخبار»، وحين حاول الوزير الرد على المعطيات، واجهه هاشم بالمستندات. وقال هاشم للجرّاح إنه يسأله حرصاً على مصلحته، مذكّراً إياه بأن «أمراء في السعودية يحاكمون بتهم الفساد»، لأن المسّ بقطاع الاتصالات الذي يدرّ مالاً كبيراً على الخزينة، وهو بمثابة الإيراد الوحيد في مواجهة عجزين هما الكهرباء والضمان الاجتماعي، يعتبر مسّاً بالأمن القومي للبلاد. وعلّق هاشم على قرارات الوزير و«أوجيرو» المتعلّقة بإعطاء الشركة المذكورة معدات ووصلات وكابلات من «أوجيرو»، أوّلاً بالتأكيد على أن تسليم المعدات للشركة كان يتمّ بين 14 و19 أيلول 2017، بينما قرار الوزير المتعلق بتسليم المواد للشركة لأشغال لمصلحة أوجيرو صادر بتاريخ 9 تشرين الثاني 2017، فضلاً عن أن كاتب القرار «كان مستعجلاً»، ووقع في عدّة أخطاء لناحية ذكر المواد والفقرات وترتيبها. وسأل هاشم إن كانت إحالة الوزير كافية لإعطاء الشركة المعدات، ولماذا تمّ إصدار قرار؟ «هذا الأمر يعني أن هناك خطأً ما أو خشية، علماً بأن الإحالة تستند إلى توجيهات الوزير وليس إلى طلب أوجيرو»، كما أكّدت المصادر النيابية. كذلك سأل هاشم عن الفرق بين أوامر التسليم الصادرة عن الوزير وما تم تسليمه، وهل «أوجيرو اجتهدت من تلقاء نفسها؟». وأيّد النائب نوّاف الموسوي مداخلة جابر وهاشم، مطالباً بمعالجة الأمر قبل أن تصبح الشركة أمراً واقعاً. وسأل أكثر من نائب عن ذرائع الجراح الذي علّل تسليمه المواد للشركة بأنها تقوم بأشغال لحساب «أوجيرو»، وتمديد خطوط موازية، بالقول إنه «إذا كانت تقوم بأعمال لمصلحة أوجيرو، فلماذا تمّ تسعير هذه المواد؟ ووفق أيّ آلية تم تسعيرها؟ ومن يراقب عمل الشركة وما تقوم به؟». وجرى الحديث عن أهمية قطاع الاتصالات اللبناني، وما يؤمّنه من مردود، وصل حدّ اتهام الوزير بتعطيل هذا القطاع (أي أوجيرو أو ليبان تيليكوم)، الذي يقدّر بما بين 8 مليارات و20 مليار دولار.
وعلى أهمية مداخلات النواب، قدّم النائب سامر سعادة معلومات عدة عمّا يحصل داخل وزارة الاتصالات، متّهماً الوزير بأنه «يعمل على تدمير القطاع لمصلحة الشركات الخاصّة». إلّا أن أبرز ما قاله سعادة كان كلامه عن أن الجرّاح «استغل الإجازة التي أخذها مدير عام «أوجيرو» عماد كريدية، الشهر الماضي، لتمرير قرارات، منها منع مهندسي «أوجيرو» من إكمال العمل في الأشرفية والحمرا، على أن تقوم «جي دي اس» بهذه الأعمال، كما قرارات تسليم المعدّات، مستعيضاً عن توقيعه بتوقيع مدير التدقيق الداخلي أحمد رملاوي».