في بلد كلبنان تُعَدّ القرصنة أمراً طبيعياً، إذ لا يمرّ يوم دون أن نسمع بخبر «سرقة». نتحدث هنا عن «سرقة حقيقية»، كعمليات سطو على بيوت، نشل في الطرقات، سرقة مشاعات، صفقات بمئات ملايين الدولارات، وأشياء «كبيرة» من هذا النوع. أمام هذه الفوضى، قد يبدو الحديث عن «القرصنة الإلكترونية»، بالنسبة إلى اللبنانيين، أشبه بمزحة. لكن القصة أبعد من ذلك بكثير.
وفعلاً، يبدو أن اللبنانيين «محترفون» في القرصنة، حيث إن لبنان «يحتل المرتبة الثانية في القرصنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، حسب ما أكد وزير الإعلام ملحم رياشي، أمس، خلال مؤتمر بعنوان «حماية الإبداع الإعلامي من القرصنة». واللافت، هنا، أن الوزير، استخدم «الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، للدلالة على موقع لبنان في العالم. وهذا التعريف مشتق من «أدبيات» الجمعيات، التي «تقرصن» عمل الدولة، بفضل غياب الأخيرة.
وعلى عكس ما يعتقد كثيرون، القرصنة، التي تحدث عنها المؤتمر، ليست قرصنة بطابع «مؤامراتي»، بل قرصنة يمكن أيَّ شخص الاستفادة منها، أي «تحميل» ملف عن الإنترنت مجاناً، أو «استعارة» مقال من صحيفة، وهكذا. واللافت أيضاً، أن المؤتمر كان من تنظيم وزارة الإعلام، وبالتعاون مع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، أي إن وزارة الإعلام هي التي بادرت.

القانون ــ رغم وصوله إلى عتبة البرلمان ــ ما زالت معالمه كافة
غير واضحة

وللاطلاع على واقع القرصنة في لبنان، أكد مسؤول أمني معني بالموضوع، أن محاولات إقرار قانون الجرائم الإلكترونية بدأت منذ عام 1995. لكننا في لبنان، والقوانين تستغرق وقتاً طويلاً. طبعاً، لا نتحدث عن تنفيذها. حسب المصدر الأمني «لا تزال جريمة قرصنة الحساب الفايسبوكي غير واضحة المعالم والتوصيف، وكذلك العقوبة»، وبالتالي إن أي جريمة من هذا النوع تحتاج للعودة إلى القانون التقليدي، أي قانون العقوبات. وهذا ما يجعل بتّها أمراً صعباً، وغير واضح. ومن شأن القانون الجديد ترتيب هذه المسائل. إلى ذلك، علمت «الأخبار» أن القانون أصبح في مرحلة المراجعة النهائية في مجلس النواب، وعلى ما يبدو فإن عملية إقراره أشرفت على النهاية. فلماذا هذا التهليل للقانون؟ ربما لمكافحة «قرصنتنه»!
عدة أبعاد لهذا القانون. يقول متابعون إن له أبعاداً اقتصادية، بحيث تتأذى شركات الإنتاج نتيجة سرقة مسلسل، وتهديد الإبداع يخفض رغبة المعلنين باختيار المسلسلات لعرض إعلاناتهم، وتالياً يتراجع المردود المادي، ويتبعه تلقائياً تراجع في الإنتاج. حسناً، هذه دورة اقتصادية «من فوق». أما على مستوى المواطنين العاديين، ففي ضوء الوضع الاقتصادي، الذي يعرفه الجميع، لا يبدو أن هذا القانون يقدم إسهاماً مباشراً في حياتهم. في أي حال، من شأن هذا القانون إتاحة فرص لنشوء شركات جديدة، تعطي للصفحات الإلكترونية «شهادات في الأمان»، تحمي المتصفحين الإلكترونيين، أسوة بما يحصل عادةً في دول أخرى، وتالياً تحريك الدورة الاقتصادية... أيضاً «من فوق»!
وفيما تحدث الرئيس سعد الدين الحريري، عن «خسائر ضخمة للدول والشركات»، أشار المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان إلى أن الإرهاب «يستخدم التكنولوجيا في تنفيذ الإرهاب». برأي الكثيرين، القانون ــ رغم وصوله إلى عتبة البرلمان ــ ما زالت معالمه كافة غير واضحة. ما يلفت الأنظار، هو الإصرار بالاحتفاء بهِ، ومحاولة إقراره، بوصفه «إنجازاً»... قبل أن يتعرض «للقرصنة» هو الآخر!