الزحمة واضحة، من أول شارع الجاموس، بمحاذاة ثانوية الإمام المهدي، وصولاً إلى «مفرق الميكانيك». شيء ما يحدث هنا. عديد رجال قوى الأمن الداخلي بالعشرات، من القوى السيّارة، إضافة إلى رجال من شرطة البلدية التابعة لاتحاد بلديات الضاحية وآخرين من بلدية الحدث. كانت هناك أيضاً سيارات إسعاف، ورجال يرتدون بزات كُتب عليها «مخابرات». بدأ كل شيء في التاسعة.الحفر والقلع والهدم دفعةً واحدة، بدا واضحاً أنهم يريدون إنهاء الأمر سريعاً. الكثير من الخيم الحديدية أمام المحال. خيمة، خيمتان، وصولاً إلى آخر الطريق، يصير العدد أكبر بكثير.

تساقطت تباعاً. إلى ذلك، أزيلت اللوحات الإعلانية، التي لا أحد يعرف من وضعها. كما «قضمت» الجرافات الحواجز الحديدية المزروعة على الأرصفة.
السكان ظلّوا هادئين. بعض الأهالي يتقدمون من «الشاويش». وهو الرجل الذي يناديه بقية عناصر القوى الأمن «أمرك سيدنا». «كلمتين عجنب يا وطن»، يناديه أحدهم. الطلب هو «غض النظر» عن بعض الأمور، فيجيب بتململ وحسم: «الأوامر واضحة». يبدو منهمكاً، لا وقت لديه للسجالات. يصرخ أحدهم معترضاً «دفعت رسوم للبلدية من سنتين. دفّعوني 33 مليون ليرة»! ويتراجع للخلف بعد أن أدرك عبث مساعيه. الآن الأمور جديّة أكثر من أي وقت مضى. حاولنا أن نتبعه لكنه غادر غاضباً ورافضاً أي حديث في الموضوع.
يتكلم أحدهم بصوت منخفض بينما تجري إزالة خيمة «اكسبرس»: «بيتمرجلوا بس عالفقرا. هالمشحر عم ببيع قهوة بـ 500 ليرة ليعيش». يرد عليه أحدهم: «شو ما انعمل ما بيعجبكم». الناس يختلفون على الأولويات. يجيبه الغاضب: «بدل الآرمات يشيلوا 50 تاجر مخدرات موجودين بالشارع ومعروفين بالأسماء». يوافقه آخر: «خليهن يبلشوا بالروس الكبيرة ساعتها ما حدا من الفرافير بيعود يخالف». ذلك لا يلغي أن الأكثرية راضية عن الحملة، وراضية عن وجود «سُلطة» يمكنها «تخليصهم» من «سُلطات الأمر الواقع».

أمس غاب عنصر المفاجأة وبدا الأمر وكأن أحداث حي السلم
ألقت بظلها على الجاموس

بعض المتفرجين على طرفي الطريق كانوا ينتظرون ما سيجري بعد «مفرق الميكانيك». إذ أن أصحاب المخالفات هناك «مدعومون وأقوياء». ويبدأون التكهّنات: «الزلمي يقرّب عليهن». نتوجّه إلى أحد هؤلاء «الأقوياء». وهو للأمانة شخص «محبوب» في المنطقة. نسأله عن الوضع. يقول بصراحة: «نحن تحت سقف القانون». لكن لديه شروطه: «ألا يزيلوا مخالفة لفلان، بينما يتركوا فلاناً دون أن يعترضوه»، ويعقّب: «هيك منخرب الدني»، مشدداً، من دون أن يسأله أحد أنه «مع المقاومة وما ترتأي أنه الأفضل للمنطقة، ولن يتكرر في الجاموس ما جرى في حي السلم».
من الأقوياء، نغادر باتجاه الضعفاء. «أم حسن»، صاحبة ميني ماركت صغيرة. بنَت أمام محلها أحواضاً من الباطون زرعت فيها نباتات ووروداً. بدأت «البوب كات» تجرف أحواض الباطون. ركضت أم حسن نحوهم، وأحضرت علباً بلاستيكية. طلبت من أحد العمال في البلدية أن يحفظ لها ورودها: «خليلي الوردات وإلا بطلع بحكي عالجديد»، تقول ضاحكة. أم حسن مع القانون، ولكن تشير إلى أن البلدية أنذرتهم «منذ أسبوع لإزالة المخالفات من أمام الطريق وليس من أمام المحل، فحتى برادات المشروبات مخالفة إن كانت أمام المحل»: إلى الداخل وإلا تُرفع إلى الشاحنة. هكذا، وتدريجياً، امتلأت الشاحنات ببقايا المخالفات. الحديد، والخيم البلاستيكية، واللافتات الإعلانية الضخمة منها والصغيرة، كنبات عتيقة، حجارة بناء، وعبوات غاز، وإطارات السيارات. الحملة مستمرة، على ما يقول رئيس اتحاد بلديات الضاحية، محمد درغام. في تعليق له على «محطة الجاموس» أمس، لفت إلى أن «تجاوب الناس مع الحملة ممتاز»، وبالنسبة للمنطقة التي ستلي الجاموس، في تحرير الأرصفة والأملاك العامة، أكد درغام أنه توجد مناطق «صعبة»، يذهبون إليها متّكلين على «عنصر المفاجأة».
في الجاموس أمس غاب عنصر المفاجأة. بدا الأمر وكأنه مرتّب سلفاً، وكأن أحداث حي السلم ألقت ظلها على الحيّ. هذه المرة لا يوجد «دقون ممشطة». الأحزاب رفعت الغطاء عن الجميع، ما جعل الجرافات تمضي بيسر. الجميع امتثل للقانون الذي طالبوا به طويلاً. ويبدون سعداء بأن الدولة هنا. لكن لديهم أمل، بأن لا تقتصر مهمتها على الهدم والإزالة وأن تطال «الرؤوس الكبيرة». وحتى ذلك الوقت، لا بد من الانتظار والمتابعة. حتى «تنظيف» الحيّ تماماً، تجلجل ضحكة أحد المراهقين، الذي يعلّق ممازحاً، «خي اليوم صرت من الجاموس بقشع عين المريسة».