هل هناك مَن يُحب جبران باسيل؟ سؤال يُعطَف على «حالة» لبنانيّة بات يُمكن تسميتها: «باسيل المكروه». تفاقمت أخيراً. هو حالياً وزير الخارجيّة. ما مِن سياسي إلا ولديه مَن يكرهه، مِن خصومه أقلّه، إلا أنّ «حالة» باسيل مختلفة. قد يكون هو الشخصيّة الأكثر مكروهيّة، أو، بتوصيف ألطف، أكثر مَن لا تُحتمل خفّته، عند شرائح شعبيّة تُعارضه في «حلف السياسي»، وأخرى تؤيّده فيه، سواء بسواء.
كلّ لأسبابه، طبعاً، وإن كثرت أسباب النفور التي تتلاقى عليه، فضلاً عمّن يُهاجمه فقط لأنّ هذا «موضة» سائدة. هل هو «العنصري» الوحيد في هذه البلاد؟ حتماً لا. هل هو وحده «الدولة» المشكو مِنها؟ لا. لعلّ للمسألة علاقة بـ«كراكتاره». أن يُقال ليس «مهضوماً» مثلاً. يكفي إلى هنا، لعدم التورّط أكثر في تحليل تلك «الحالة» شخصيّاً... هو الذي يورّط نفسه بألفاظ جعلت مِنه «حالة».
هو سياسي يُغرّد قائلاً: «نحن عنصريّون بلبنانيّتنا»... ثم يَعتب، بل يَغضب، إن وصفه أحدهم بالعنصري، فيُنادي: «لا تقولوا عنّي عنصريّاً»! احسم أمرك يا معالي الوزير. ليست المرّة الأولى التي يظهر فيها باسيل كطفل كبير. حقيقة. هذه ليست إهانة. كان أخيراً في زيارة رسميّة لهنغاريا. اجتمع هناك بالجالية اللبنانيّة، في العاصمة بودابست، وبحث معهم مسألة نشر المأكولات اللبنانيّة «اللذيذة» في أوروبا، إضافة إلى أشياء أخرى. حدّثهم عن «النازحين السوريين» في لبنان. قال: «مؤشّرات كثيرة تدل على أنّ لدينا نزوحاً اقتصادياً، والتعامل معه من قبل لبنان كان مختلفاً جدّاً عن أيّ دولة في العالم... حتى أصبح بلدنا مستباحاً». مدَح التجربة الهنغاريّة، الموصوفة، في بعض وجوهها، بالعنصريّة في إعلام الاتحاد الأوروبي نفسه. قال: «هنغاريا اتخذت كلّ الإجراءات اللازمة التي تعرفونها، بدءاً مِن إقفال حدودها كاملاً، وحماية مجتمعها، وبالتالي ليس لديها أيّ نزوح مقارنةً بدول أخرى تكبّدت خسائر كبيرة، وبدأ يتخلخل فيها التماسك السكّاني والمجتمعي».

يمتدح باسيل التجربة الهنغاريّة مع «الغرباء»، وهي مِن الأكثر عنصريّة في العالم
باسيل حريص على أوروبا أيضاً! إلى هنا لا يزال منسجماً مع نفسه. في كلمته نفسها للجالية اللبنانية هناك، قال: «الواضح أنّكم ما زلتم مرتبطين مع لبنان، ومع هنغاريا التي اندمجتم في سياستها واقتصادها ومجتمعها، وهذه هي قوة اللبناني وميزته». مرّة أخرى يبدو باسيل طفلاً. لبنانيّوه لا بأس أن يندمجوا في مجتمعات دول أخرى، ضمن «الانتشار العالمي» إيّاه، لكن ممنوع على «غريب» أن يندمج في لبنان. الرجل تعوزه المبدئيّة الكلاميّة. تعوزه الحنكة. ذهب إلى هنغاريا حيث التجربة هناك لعلها، في العمق، تحاكي مواقفه الأصيلة التي يتذبذب حرجاً في إطلاقها لبنانيّاً، فتتفلّت مِنه بعض الكلمات الفاضحات. باسيل يُريد أن يُحافظ على ديموغرافيّة لبنان المذهبيّة، وهذه قالها مراراً، وهي مألوفة عندنا. هو ليس وحده في هذه الإرادة، سواء مِن المسيحيين أو المسلمين، إنّما مجدّداً أزمته في «الباسيليّة» كطريقة إخراجيّة. في هنغاريا هناك مسؤولون حكوميّون قالوا لا نُريد «غرباء مسلمين» (بالتحديد). قبل أشهر كان وزير الخارجيّة الهنغاري في لبنان، وفي لقاء مع باسيل أعلن تبرّعَ بلاده بمبلغ 1.5 مليون دولار لترميم الكنائس في لبنان. تلك الدولة، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي، لا تنفك تعبّر عن مسيحيّتها بقوّة (كدولة). لديهم مشكلة (يصفها الاتحاد الأوروبي بالعنصريّة) ضدّ الغجر. أكثر مِن عملية قتل حصلت لهؤلاء على أيدي يمينيين هنغاريين. الوزير الأول هناك، فيكتور أوربان، يصفه رئيس المفوضيّة الأوروبيّة جون كلود يونكر بـ«الديكتاتور». هذا على خلفيّة مواقفه مِن اللجوء والأجانب والغرباء. التقى باسيل بأوربان في زيارته الأخيرة. هنغاريا الموصوفة كواحدة مِن أكثر الدول «عنصريّة» (على مستوى العالم) هي التي يمتدح باسيل تجربتها. مَن ينسى تلك المُراسِلة التي بادرت إلى «فركشة» السوري الذي كان يحمل ابنه راكضاً، هناك في هنغاريا، وراحت تركل الأطفال الهاربين، الذين ما كانوا يُريدون إلا عبور أراضي البلاد وصولاً إلى بلاد أخرى. أصبحت تلك الصحافيّة في الأوساط الشعبيّة «بطلة قوميّة».
يقول باسيل: «إنّ التعدّد هو ضمانة الاستقرار». بعد ذلك يعود ليمدح التجربة الهنغاريّة. لم يُعرَف إن كان قد قابل هناك عمدة مدينة أشاتلوم الذي كان قد أعلن رفضه دخول «أي مُسلم أو أسود، باستثناء الأوروبي المسيحي فقط». هذه سياسة حزب الوزير الأول الحاكم. يعود باسيل إلى لبنان، إلى الشأن المحلي، فيُغرّد مستلهماً: «العهد القديم» هذه المرّة، ليكتب: «نقف تحت جبل حرمون أو جبل الشيخ أو جبل التجلي، وخلاصة رسالتنا ألّا حق لنا بترك الأرض التي اختارها الله منطلقاً للرسالات السماويّة». وفي واحدة أخرى يكتب: «الله اختارنا لنحافظ سويّاً على هذا البلد». هكذا، أدبيّات «الشعوب المختارة» يلهج بها لسانه. ليس بعيداً أن يكون الرجل مِن المؤمنين بـ«الحتميّة البيولوجيّة». عندما استقبل ضيفه قبل أشهر، في لبنان، وفي سياق حديثه عن «النازحين السوريين» قال: «لا يستطيعون الطلب منّا أن نتصرّف ضد قوانين الطبيعة». باسيل، إن لم يكن هو بنفسه حالة، إلا أنّه، قطعاً، يمثّل حالة وينطق باسمها، وإن بطريقة صبيانيّة. هذه الحالة، وأيّ مسار تطوّري يُمكن أن تسلكه، تستحق أن تُدرس ومعها «قانونها الطبيعي».