خُطِف رجل الأعمال اللبناني عماد الخطيب وجورج بتروني ونادر حمادة، في العراق قبل أيام. سريعاً، طلبت الأجهزة الأمنية، ووزير الإعلام، سحب الخبر من التداول، قبل أن يعود وينتشر على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، ليزعم أحدها أن المخطوف عماد الخطيب مستشار وزير الداخلية نهاد المشنوق.
غير أن القرار كان حاسماً لدى أفراد عائلة الخطيب وأصدقائه بوجوب الحفاظ على السرية المطلقة مهما كلف الأمر، بعدما هدد الخاطفون أهالي المخطوفين بقتل أبنائهم في حال إبلاغ الإعلام أو الأجهزة الأمنية. ترافق هذا التعتيم مع بدء الأجهزة الأمنية العمل بشكل سري، سعياً لإطلاق الثلاثة.
تكشف المعلومات الأمنية أن القصة بدأت بعدما تواصل شخص عراقي عرّف عن نفسه باسم «أبو عصام العراقي» مع اللبناني جورج بتروني وأوهمه بأنه يمثّل مجموعة مستثمرين عراقيين ينوون شراء عقارات وإجراء عقود استثمار تصل إلى 100 مليون دولار. هذا الطرح كان الطُّعم الذي أُلقي لكل من بتروني ونادر حمادة وعماد الخطيب لاستدراجهم إلى العراق. وبالفعل، قطع الشبان التذاكر ذهاباً إلى بغداد يوم الأحد الفائت، ليصلوها عند الساعة الواحد ظهراً. كان كل شيء يسير على ما يُرام، حتى إن الشبان الثلاثة أرسلوا صورة لأحد أصدقائهم بعد ساعتين أو ثلاث من وصولهم.

فدية المليون
دولار دفعتها عوائل المخطوفين


عند الساعة الخامسة، انقطع الاتصال بهم، قبل أن يتصل مجهول بعد منتصف ليل الأحد بأهالي الشبان الثلاثة ليبلغهم أنهم باتوا في عداد المخطوفين. وحذّرهم من الاتصال بالقوى الأمنية تحت طائلة تعريض حياتهم لخطر شديد. كان المتّصل أبو عصام نفسه، الرأس المدبّر لعملية الخطف، الذي عرف عن نفسه بثلاثة أسماء مختلفة: خالد وهمّام وأبو عصام.
أبلغت العائلات وزير الداخلية واللواء عباس ابراهيم بما جرى، لتبدأ رحلة مفاوضات عسيرة. تسلم التحقيق ضباط الأمن العام قبل أن يدخل فرع المعلومات على الخط. بدأت عملية أمنية مشتركة بين الأمن العام وفرع المعلومات. تولى عناصر المعلومات التفاوض مع الخاطفين عبر فرد من عائلة كل مخطوف (والد جورج بتروني وشقيق نادر حمادة وشقيق عماد الخطيب)، بعدما حجزوا في أحد الفنادق في منطقة الحمرا، فيما انتقل وفد من الأمن العام إلى بغداد يرأسه العميد خالد موسى. كان بحوزة الأمن العام معلومات خاصة عن الجهة الخاطفة، ولا سيما أنّ المخطوف بتروني كان قد تعرّض لمحاولة استدراج مماثلة عام 2016 من العصابة نفسها. أحد أرقام الهواتف آنذاك كان طرف الخيط الذي أوصل إلى تحديد الخاطفين، علماً بأنهم في هذه العملية استخدموا أكثر من عشرين رقم هاتف.
في بيروت، أُنشئت غرفة عمليات انكب فيها ضباط من فرع المعلومات وعناصره، بحضور ضابط من الأمن العام، على تحديد بصمة صوت المخطوفين وقادوا التفاوض مع رصد تقني للهواتف التي يتصلون منها لتحديد موقعهم، ولا سيما أنهم كانوا يبدّلون أرقام هواتفهم باستمرار. كانت الأمور تسير على ما يرام، إلى أن نشر أحد المواقع الإخبارية الخبر بعد ظهر الثلاثاء الماضي. عرقل النشر سير المفاوضات، فأصبح الخاطفون أكثر حذراً، وفصلوا المخطوفين بعضهم عن البعض الآخر. كذلك استاء الأمن العراقي من النشر، لكنه تمكن بالتنسيق مع الأمن العام اللبناني، من رصد أحد هواتف الخاطفين. في موازاة ذلك، كان المفاوضات تسير بسرية. الفدية التي طالبت بها العصابة كانت مليون دولار، مشترطة تسلّمها قبل تحرير المخطوفين. وحددت مكاناً لتسليم مال الفدية، يبعد كثيراً عن المكان الذي اتُّفق عليه لترك المخطوفين، علماً بأن المبلغ المذكور حصلت عليه الأجهزة الأمنية اللبنانية من عوائل المخطوفين الذين استدان أحدهم ليؤمن المبلغ المحدد.
سارت الأمور وفق المخطط. تسلم الرأس المدبّر المليون دولار ثم هرب إلى جهة مجهولة، فيما دهمت قوات الأمن العراقي مكان اختباء باقي أفراد العصابة، فأوقفت ثلاثة أشخاص، فيما قُتل شخص رابع. وتمكن الباقون من الفرار. أما ما اعتُبر طعماً، فلم يكن سوى مبلغ الفدية الذي بات في جيب مدبّر عملية الخطف. وقد وصل المخطوفون المحررون إلى مطار رفيق الحريري الدولي مساء أمس، حيث كان في استقبالهم الوزير المشنوق مع عائلاتهم وأصدقائهم.