في «ساعة تخلٍّ» ــ بدأ التخطيط لها في ٧ تموز ١٩٨٠ يوم مجزرة الصفرا (فتوح كسروان) التي خطّط لها بشير الجميِّل ونفذها رجال الكتائب بحق ميليشيا نمور الأحرار ــ جرت تصفية داني شمعون في 21 تشرين الأول 1990. أُريد لداني، وكلّ من يحمل جيناته (اغتيلت معه زوجته انغريد، وطفلاه طارق وجوليان، فيما نجت الطفلة ناتاشا جاين)، «الانتفاء»، تماماً كما «دعوس» الفريق نفسه أرواح طوني فرنجية وعائلته ومناصريه في ١٣ حزيران ١٩٧٨، ليعودوا ويتباهوا بالأمر، وكأنهما اغتيالان «لا بُدّ منهما» وأتيا في سياقهما «الطبيعي».
داني شمعون، لم يكن «حلم» أنصاره الوحيد الذي سُرق في تلك الليلة الدموية. رفاق داني القدامى، ومنتسبون سابقون إلى الوطنيين الأحرار، يعتبرون أنّ حزب الرئيس كميل شمعون «سُرق» أيضاً، بمعنى أنه «لم يبقَ منه سوى اللافتة، والكثير من الحنين». نتيجة أراد قتلة حليف العماد (في حينه) ميشال عون الوصول إليها، لإنهاء ما بقي من قيادات أخرى على «الساحة المسيحية»، والاستفراد بالقرار السياسي.
كان داني «يفتقر إلى خبرة والده، ولكنه كان مقداماً وشجاعاً وجريئاً ومثابراً. شخصيته قوية، ويملك كاريزما، لذلك أعطى انتخابه رئيساً للحزب، منتصف الثمانينيات، دفعاً للناس»، بحسب أحد الحزبيين السابقين والمُقربين حالياً من قيادة السوديكو، مُقارناً بين داني والرئيس الحالي لـ«الأحرار» النائب دوري شمعون الذي «لا يعرف كيف يحتك مع الناس، ولا يقوم بالخدمات.

يقول درغام إنّه سيكون
للأحرار مُرشحون في كسروان والمتن والشوف وبيروت


دوري، بالمعنى الحزبي، كسلان لا يقوم بشيء لتنمية الحزب». على العكس من ذلك، «خَلَق مشاكل بين الحزبيين، وأبعد الطاقات والكفاءات. كانت لديه فرصة ذهبية، خلال غياب الرئيس ميشال عون ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، من أجل أن يفرض نفسه، ولا سيّما أنّ اجتماعات المعارضة كانت تنطلق من السوديكو (البيت المركزي لحزبه). لكنه فشل. واليوم من المستحيل أن يلعب دوراً بعد عودتهما».
لم يكن أمراً بسيطاً أن يُشارك في انتخاب داني رئيساً للأحرار «قرابة ٦٠٠ شخص»، بعد الانتكاسة التي مُني بها الحزب في ٧ تموز 1980، وقرار حلّ «النمور». فالمجزرة (ذهب ضحيتها أيضاً العديد من المدنيين من خارج المنطقة) كانت «إحدى المحطات الأساسية من أجل ضعضعة الأحرار»، يقول رئيس الأركان (سابقاً) في النمور جورج أعرج. بعض المسؤولين في الحزب حاولوا الانتفاض على خيار داني، «ويُقال إنّ التحرك المُعارض كان يلقى دعماً من القوات اللبنانية»، ولكنّ ابن شمعون «كان أقوى منهم جميعاً».
يشير أحد المقاتلين السابقين في «النمور»، جان عيد، إلى أنّ انتخاب داني رئيساً لـ«الأحرار» أعطى «زخماً للقواعد، وكأنّه لم تمرّ على الحزب مجزرة ٧ تموز 1980. كان الرئيس كميل شمعون يعرف أنّ داني سيؤمّن استمرارية الوطنيين الأحرار»، فأمّن رئيس الجمهورية السابق لابنه الغطاء السياسي، مُعوضاً النفوذ الذي خسره «الأحرار» بعد إنهاء أعماله العسكرية، «وداني أعاد الحركة إلى الحزب، التي ظهرت أساساً من خلال الدعم الشعبي الذي قدّمه إلى عون في الـ ١٩٨٨ وما بعد».
ماذا بقي من «الأحرار» بعد داني؟ «الاسم. عاد الحزب إلى مستوى إطلاق مواقف الصالونات لا أكثر»، يجيب أعرج، مُتحدثاً عن اتخاذ القيادة الحالية «قرارات إقفال الفروع الحزبية منذ التسعينيات». يضيف عيد أنّه «وفقاً لإحصاء قمنا به، وصل عدد الملتزمين سابقاً، بين نمور و«أحرار»، إلى حدود ٤٧ ألف بطاقة. أين هي القواعد اليوم؟». يقول إنّ «جزءاً من القاعدة ترك لأنّ دوري أعطى مهمات داخل الأحرار لأعضاء الفريق الذي حاول الانقلاب على داني». النشاطات حالياً غير موجودة إلا عبر الطلاب، وفقاً لأعرج، ولكنهم «لا يحظون بالتوجيه. مثلاً، تُترك لهم المجالات لتحالفات عشوائية. ليس مقبولاً من أجل أن يظهروا أنهم استقطبوا الناس إلى تحركاتهم التحالف مع فلان وفلان (القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي). وليس مقبولاً، أن يُشارك خصوم داني في جنّازه (النائبة السابقة صولانج الجميِّل ومُمثل عن القوات اللبنانية)». يوضح الرجل أنّه «في المواقف الوطنية، نحن عسكر دوري. ولكن ما فرّقنا هو الموقف من القوات، وملف داني الذي نملك حُكماً مُبرماً بمن قتله».
الرأي الآخر يُعبّر عنه رئيس منظمة الطلاب في «الأحرار» سيمون درغام، بتأكيد «الوفاء لداني وكلّ شهدائنا، رغم أنّ أحداً لم يكن وفياً معنا». لا يُنكر أنّ اسم داني «عامل استقطاب، ولكن لا نريد أن نعيش فقط على أمجاد الماضي، بل طرح أفكار مستقبلية تواكب كلّ مرحلة». ولكن، لم تظهر قدرة الوطنيين الأحرار على المواكبة، أو التأثير بالحياة السياسية، وهو بات اليوم، بالنسبة إلى مختلف القوى السياسية، حزباً هامشياً، «يُستغل» اسمه من أجل إكمال تواقيع قانون ردّ الضرائب مثلاً، أو في التحركات الشعبية. «أنتم تستخفون بالأحرار، وغير صحيح أنّنا غير مؤثرين. فمن خلال إصدار الطابع البريدي لزلفا شمعون والسعي إلى تخصيص ليلة تكريمية لها خلال احتفالات بعلبك العام المقبل، وإعادة افتاح بولفار كميل شمعون، وزيارة الرئيس دوري لـ٢٢ بلدة في الجنوب خلال يومين، وتحضير جولة في عكار، وحضور ٧٠٠ شخص عشاءنا في زحلة، ودورنا في النقابات والجامعات، وانتساب عدد كبير من الشباب، رغم أنّنا لا نملك الإمكانات المادية لنُقدمها لهم، واستعادة مجموعات لجأت سابقاً إلى التيار الوطني الحر، كلّها أمور تصبّ في إطار تفعيل عمل الحزب». لماذا لا يظهر إذاً هذا الجُهد، ولا يبدو أنّ الحلفاء والخصوم يأخذونه على محمل الجدّ؟ يرد درغام: «لأننا لسنا وقحين، ولا نُقاتل حتى نجلس في الصف الأول حُباً بالظهور، ونرفض التمويل الخارجي». يُبرّر بأنّ حلّ الحزب في الجنوب بعد انتخاب دوري، كان سببه «سحب ذريعة اعتقال رجالنا واتهامهم بالعمالة. ولكن اليوم نُعدّ لافتتاح مراكز في مرجعيون ــ حاصبيا ورميش ودبل»، علماً بأنّ الشاب النشيط لا يُنكر أنّ العديد من الملتزمين مع «الأحرار» انتسبوا إلى جيش لحد! والعامل الآخر الذي أدّى إلى تقويض عمل الحزب، «الضغوط السورية والتضييق علينا».
قبل قرابة سنة، بدأت «النفضة» الداخلية، وإدخال عنصر الشباب إلى المراكز الحزبية، «والذي يقول إنّ الحزب مُجرد لافتة، نرد عليه بأنّه نهج، والمشروع مُستمر من خلال العمل المؤسساتي، وليس العائلي». يضيف درغام أنّه «منذ ٢٠١٢ بدأ وضعنا يتحسن، ونُشارك بفعالية في كلّ المناسبات». وسيُستكمل ذلك من خلال الترشيحات إلى الانتخابات النيابية، «وسيكون لنا مُرشحون شباب في كسروان والمتن والشوف، وندرس إمكانية ترشيح شخص عن الأقليات في بيروت».





مصالحة بين «النمور» والوطنيين الأحرار؟

قبل أشهر، جرى تواصل غير رسمي بين مسؤولين في السوديكو ومجموعة «نمور الأحرار»، «بهدف التواصل من أجل البحث في كيفية إنعاش الحزب»، كما يقول المقاتل السابق جان عيد. يوافق الطرفان على أنّ «الأمور لن تتحسّن قبل أن يُعاد لمّ شمل القاعدة. هناك خوف على الحزب، وتوق من أجل اللقاء». وقد تلقّف «النمور» مبادرة عدد من المسؤولين الحزبيين «لأننا حرصاء على الأحرار. إلا أنّ المسعى لم يأخذ بعد شكله النهائي». وفي الإطار نفسه، يتحدث رئيس منظمة الطلاب في «الأحرار» سيمون درغام، عن سعي إلى «مصالحة داخلية مع كلّ شخص لم يُبدل مبادئه». بداية الغيث كانت استقبال وفد من مفوضية الشوف في الوطنيين الأحرار، وفد «النمور» أمام ضريح داني شمعون، ووضع الأكاليل.