العلاقات السياسية التي يقيمها بعض القضاة لم تُسعفهم في اقتناص مركزٍ قضائي مرموق أو حتى... مجرّد مركز في التشكيلات القضائية التي أُنجزت أخيراً. بحسب هؤلاء، كان الدور الأساس لـ«المحسوبيات» في التشكيلات التي أصدر الرئيس ميشال عون مرسومها أول من أمس، متحدِّثين عن «لوائح مغلقة» اعتُمدت لدى بعض الطوائف، «وسيّئ الحظ من لم يعرف الطريق إلى منزل زعيم الطائفة»! أحدهم أكد لـ«الأخبار» قائلاً: «لم يُعيَّن قاضٍ في مركزٍ من دون تسمية من طرف سياسي، اللهم إلا قلة تُعدّ على أصابع اليدين».
يستعيد هؤلاء، وهم ليسوا من «المغضوب عليهم سياسياً»، بتهكّم، إعلان وزير العدل سليم جريصاتي يوماً أنه سينهي المحميات المطوّبة لبعض القضاة. ويلفتون إلى استمرار عدد من القضاة في مراكزهم نفسها منذ أكثر من عشر سنوات (يشغل أحدهم مركزاً منذ 15 سنة)، كالمحامي العام في جبل لبنان وليد المعلم.
القضاة الساخطون يشيرون إلى «خضوع أعضاء مجلس القضاء الأعلى للتدخلات السياسية»، بدليل رضوخهم لإصرار رئيس الجمهورية ووزير العدل على اسمَي مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس والنائب العام في جبل لبنان غادة عون.

«لم يُعيَّن قاضٍ في مركزٍ من دون تسمية من طرف سياسي»

ويتساءلون عن سبب ترك قضاة كفوئين «احتياطاً» أو بلا مراكز، فيما رُفِّع آخرون إلى مراكز أعلى، رغم أنّ بينهم من صدر في حقه حكم أو كُسرت درجته أو تراكمت لديه عشرات الملفات من دون أن يُنجزها. ويُذكر على سبيل المثال القاضية رندة يقظان، التي كانت مقربة من النائب العام التمييزي السابق سعيد ميرزا، والتي كسبت دعوى ضد «الأخبار» في قضية ثابتة بالدليل في شأن إخلاء سبيل متهم بترويج المخدرات والإبقاء على متهمين بالتعاطي موقوفين. كسبت يقظان الدعوى ضد «الأخبار»، لكن درجتها القضائية كُسرت. غير أنّها بقيت في مركزها، فيما أُجبر زميل لها على الاستقالة لأنه «بلا ظَهر» سياسي. قاضٍ آخر هو عباس جحا، المحال على المجلس التأديبي، رُقّي ليُعيَّن في مركز مدَّعٍ عام في النبطية.
كل ذلك خلق جوّاً من التشنّج لدى بعض القضاة الذين بدأوا بالتعبير على صفحات التواصل الاجتماعي عن امتعاضهم مما يجري، فيما لوّح آخرون بالاستقالة. من بين هؤلاء، القاضية ريما شبارو التي كتبت على صفحتها على الفايسبوك: «شكراً لكم جميعاً، ولكن للأسف الشديد لقد حصل استبدال اسمي بفعل تدخل لربما من خارج مجلس القضاء الأعلى الذي كان بالإجماع قد وافق على تعييني رئيسة لمحكمة التمييز. حسبي الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».
أول من أمس، أبصر مرسوم التشكيلات النور، بعد ثماني سنوات على آخر تشكيلات قضائية. ورغم أن رئيس الحكومة سعد الحريري تسلّمه صباح الجمعة الماضي، إلا أنه أبقاه في عهدته حتى الاثنين، لأسباب مجهولة. فتح ذلك الباب واسعاً أمام الأخذ والردّ بشأن الأسماء التي جرى تعيينها. وترافق ذلك مع تسريبات تُفيد بأنّ الحريري لن يوقّع التشكيلات، وأنّه سيتحفّظ عليها لعدم رضاه عن بعض الأسماء، علماً أنّ «مجلس القضاء الأعلى «وقف على خاطر» رئيس الحكومة بـ10 تعيينات كان قد طالب بها. لماذا تأخر الحريري عن توقيع المرسوم؟ ينقل قضاة عم مصادره أنّه كان مشغولاً! غير أن مصادر الحريري أكدت لـ «الأخبار» أنه وقّع التشكيلات في اليوم نفسه التي تسلمها فيه من وزير العدل. واستغربت المصادر أن يصار إلى سوق تحليلات كهذه بشأن تردده في التوقيع، ولا سيما أن الاتفاق على التشكيلات كان قد جرى مسبقاً حيث اتُّفق على كل الأسماء، فيما التوقيع كان لزوم الشكليات والروتين الرسمي.