تسارعت الأحداث في اليومين الماضيين. وكنا نعتبر أنفسنا، كأولياء أمور التلامذة في المدارس الخاصة، محميين من تأثيرات فصل التشريع بين القطاعين الرسمي والخاص عبر نقابة المعلمين ومواقفها الصلبة إزاءه.
إلّا أنّ المعطيات والأحداث تغيرت بشكل دراماتيكي، لنكتشف أنّ أغلب أعضاء مجلس النقابة، ممثلي الأحزاب، هم مع فصل التشريع بشروطهم، كما يقولون، ومسار فك الإضراب، إضافة إلى ما يشاع عن تزييف لنتائج توصيات الجمعيات العمومية للمعلمين، والحركة اللولبية للأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار لجمع تواقيع النواب لاقتراح قانون معجل مكرر لفصل التشريع، وما نسمع عن التوافق الضمني لعدد كبير من الكتل النيابية الأساسية حول هذا الأمر... كلها معطيات تجعلنا نفكر بتأثيرات المشروع بالأقساط المدرسية.
كل هذا السيناريو يصبّ حتماً في تيسير مسار فصل التشريع بين معلمي الخاص والعام الذي يسوّق له اتحاد المؤسسات التربوية، والذي مارس ــــ على ما يبدو ــــ ضغوطاً كبيرة حتى لا تُمسّ موازنات المدارس وأرباحها طوال السنوات الماضية.
ماذا يعني فصل التشريع؟ بعبارة أبسط: هو تحرير العقود بين المعلمين وإدارات المدارس من سلسلة الرتب والرواتب التي تضع سقوفاً دنيا لرواتب المعلمين بحسب درجاتهم وأقدميتهم، وتحدد ساعات التناقص وصندوق التعويضات والتقديمات الأخرى الملحقة على الرواتب. الحلول المتداولة هي استبدال السلسلة بعقود جماعية بين اتحاد المؤسسات التربوية ونقابة المعلمين، أو بعقود تخضع لقانون خاص بالمعلمين، أو إخضاع المعلمين لقانون العمل أو العقود الحرة.

المشروع يفقد لجان
الأهل صلاحية مراقبة جزء
أساسي من الموازنات

وهي كلها سيئة بالنسبة إلى المعلمين، إلا أن أفضلها العقود الجماعية. ولكن العقود الجماعية تستوجب تفويض أكثر من 60% من الجهتين، أي المؤسسات والنقابة، لتحقيقه. فهل تستطيع المؤسسات جمع هذه النسبة التي تتعارض مع مصالح المدارس الصغيرة والمتوسطة إلى حد كبير؟ وهل تستطيع النقابة جمع تفويض المعلمين/ات وتواقيعهم للمفاوضة في شروط العقد الجماعي؟
وما هي الآلية الرقابية لتنفيذ أيٍّ من هذه العقود الناتجة من فصل التشريع؟
أسئلة مطروحة، خصوصاً أننا في بلد يفتقر إلى تشريعات عادلة وإلى تنفيذ القوانين ومتابعتها، ما سيخلق فوضى وغوغائية على الأقل في السنوات الخمس المقبلة. ففصل التشريع يستوجب سنّ قوانين جديدة، بما في ذلك تعديل على القانون 515 الناظم لموازنات المدارس الخاصة.
كيف سيؤثر فصل التشريع بالموازنات؟
كما نعلم جميعاً، الموازنة المدرسية مرتبطة ارتباطاً جذرياً برواتب الهيئة التعليمية والإدارية وأجورها، ونسبتها 65% على الأقل من الموازنة السنوية. عند فصل التشريع ماذا ستكون ضوابط الرواتب؟ الإداريون يخضعون لقانون العمل، فماذا عن الهيئة التعليمية؟ مهما كان شكل العقد، فالمعلمون خاسرون حتماً، وكذلك أولياء الأمور أيضاً. صحيح أنّ فصل التشريع سيعفي الأهالي من دفع زيادات لهذه السنة، لكون السلسلة لن تطبق في مدارسهم، ولكنه حتماً سيؤدي إلى ارتفاعها في السنوات المقبلة، بل سيحررها من أي مراقبة على الرواتب وتصبح مبنية على أساس العرض والطلب وتُخضع المعلمين/ات لشروط تفرضها غالباً إدارات المدارس لكونها الأكثر تنظيماً، يضاف إليها غياب آليات الحماية والرقابة المالية التي سيطول تنظيمها. فبعد 20 عاماً من صدور القانون 515، لم تُشكَّل مجالس تحكيمية، ولم تضع الوزارة آلية محددة لاحتساب الموازنة المدرسية، ولم تقم بواجبها في مراقبة الموازنات، كذلك جرى تسخيف دور لجان الأهل وتعطيلها.
نؤكد هنا أن آليات المراقبة ستكون متعثرة جداً، بل شبه مستحيلة. فلجان الأهل ستفقد القدرة على تقدير الحد الأدنى والأقصى لرواتب المعلمين إلّا بناءً على الأرقام التي تكشفها المدرسة، وسيتحرر بند الرواتب والأجور من إشراف لجان الأهل ومن تدقيق الهيئة المالية، وحتى الوزارة، لأن ذلك يستوجب تعديل القانون 515 المبني أساساً على سلسلة الرتب والرواتب وكشوفات صندوق التعويضات للأساتذة، وستُحرَّر العقود بين المعلمين والمدرسة من دون آليات مراقبة وتدقيق، وسيُفقد الهيئة المالية ولجان الأهل صلاحية مراقبة جزء أساسي من الموازنات المدرسية ويسمح للمدرسة برفع الأقساط بحجة دفع رواتب مضاعفة للمعلمين قد تكون وهمية بهدف المنافسة.
من هذا المنطلق، نجد أنفسنا في مواجهة فصل التشريع، وطبعاً مع حقوق المعلمين ومكتسباتهم، ودفاعاً عن حقوق الأهل في مراقبة موازنات المدارس والحدّ من الزيادات بشكل عشوائي وغير علمي، وكشف موازنات السنوات الخمس الماضية، التي نعتبرها مفتاحاً لحل الأزمة القائمة لضبط الزيادات وإعادة الأموال الفائضة، إذا ما وجدت، إلى الأهالي. وهي، بتقديرنا، تغطي زيادات السلسلة لسنوات عدة. الحل هو تطبيق القانون 515 بتفاصيله، وليس الهروب إلى الأمام باستحداث قوانين أو فصل التشريع لتسويف فتح الملفات المالية للمدارس التي لا تبغي الربح والمعفاة من الضرائب، والكفّ عن التعاطي مع المؤسسات التربوية كمؤسسات تجارية، بل كمؤسسات ذات منفعة عامة يجب مراقبتها ومراقبة أعمالها المالية.
* باحث في التربية والفنون وعضو هيئة تنسيق لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة