هل احتكمت نقابة المعلمين في المدارس الخاصة لرأي الجمعيات العمومية في قرارها الاستمرار في تعليق الإضراب والاكتفاء بالمشاركة في الاعتصام الذي دعت إليه هيئة التنسيق النقابية قرب مفرق القصر الجمهوري، احتجاجاً على عدم تنفيذ القانون الجديد لسلسلة الرتب والرواتب الرقم 46/2017؟ هل صوّتت أكثرية المندوبين فعلاً لمصلحة هذا القرار، كما أعلن رئيس النقابة رودولف عبود غداة انعقاد الجمعيات؟
عبود لم يفصح في اتصال مع «الأخبار» عن النتائج التفصيلية للتصويت في الجمعيات العمومية لجهة أعداد المندوبين الذين صوّتوا مع الإضراب أو ضده، أو الذين اقترحوا شكلاً آخر للتحرك. كذلك غاب الأمين العام للنقابة وليد جرادي عن السمع بعيد إعلان القرار، إذ حاولت «الأخبار» التواصل معه أكثر من مرة بلا جدوى.
في المقابل، خرج الرئيس السابق للنقابة نعمه محفوض ليعلن أعداد الذين صوتوا مع الإضراب أو ضده في بيروت والمحافظات، مؤكداً أن الأكثرية أقرت خطوة الإضراب. يقول إنّ 290 معلماً في الشمال صوتوا في صندوقة الاقتراع مع الإضراب، وصفر معلم ضده، وفي بعلبك صوّت 60 معلماً مع الإضراب، وصفر ضده، وفي صيدا صوّت 3 معلمين مع الإضراب، و22 ضده، وفي بيروت صوّت 7 معلمين مع الإضراب، و17 ضده، وفي النبطية صفر مع الإضراب و20 ضده، وفي زحلة صفر مع الإضراب، و25 ضده، وفي جبل لبنان كانت الأكثرية ضد الإضراب وضد الاعتصام، إلا أنّ عدد المشاركين، بحسب محفوض في هذه المحافظة، لم يتجاوز 65 مندوباً وليس 290 مندوباً كما أشاع أعضاء النقابة، على حد تعبيره.
بعض المعلمين النقابيين عزوا ضعف المشاركة في الجمعيات العمومية إلى ضعف الثقة بالقيادة النقابية والضغوط الحزبية التي تعرضوا لها.

محاولات مكشوفة لفصل التشريع
بين التعليمين
الرسمي والخاص


وكانت النقابة قد علقت الإضراب منذ صباح أمس أي قبل العودة إلى قواعدها وانتظار قرار الجمعيات العمومية، متذرعة بأنها تسلحت بما سمته تفويضاً حصلت عليه قبل أسبوعين من الجمعيات العمومية باتخاذ القرارات التي يراها المجلس التنفيذي مناسبة. وفيما أقر بعض أعضاء المجلس بأنهم ارتكبوا خطأ في اتخاذ قرار التعليق، مساء الثلاثاء، أقله في الشكل، وجد معلمون كثر في العودة عن الإضراب خطوة تعطي ذريعة لأصحاب المدارس بالمضي قدماً في محاولاتهم المكشوفة للسير في مشروع فصل التشريع بين القطاعين التعليميين الرسمي والخاص، علماً بأن وحدة التشريع أو استفادة معلمي القطاع الخاص من الزيادات وسلسلة الرواتب التي يستفيد منها معلمو القطاع الرسمي منصوص عليها في القوانين، ولا سيما المادة 20 من قانون تنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة الصادر في عام 1956.

جمعية بيروت: النقابة تخلّت عنّا

في بيروت، لم يخف بعض المندوبين شعورهم بالاستياء العارم والخيبة والخذلان من «تخلي النقابة عنا». فقد وقع القرار المفاجئ في التوقيت والمضمون بفك الإضراب وقوع الصاعقة على المعلمين، وهذا ما عبّر عنه أكثر من مندوب مؤكدين أن ما يقولونه ليس وجهة نظر، بل توصيف للموقف المحرج الذي وضعوا فيه. وقد أوضحت يانا السمراني من الليسيه الفرنسية الكبرى، أننا «وجدنا أنفسنا فجأة وحيدين بلا ظهر نستقوي به في مواجهة ضغوط إدارات المدارس ولجان الأهل». وقالت إننا «نستشعر خطراً حقيقياً يهدد حقوق المعلمين في المدارس الخاصة، باعتبار أنّ وقف الإضراب سيتسثمر في معركة فصل التشريع بين التعليمين الرسمي والخاص، وهي معركة غير مؤجلة، بحسب قولها، بدليل أن أصحاب المدارس يصولون ويجولون ليل نهار لنيل تواقيع النواب على اقتراح قانون معجل مكرر أعدّته الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية وأخذت عليه مباركة باقي المدارس المنضوية في اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة».
ولفتت أمل تميم من مدرسة الليسيه عبد القادر الى أننا «فوجئنا بضرب تحرك قاتلنا من أجل القيام به وواجهنا تهديدات من إدارة المدرسة من قبيل حسم رواتبنا وبقينا صامدين بدعم لجنة الأهل وشاركنا بكثافة في اعتصام هيئة التنسيق دفاعاً عن حقوقنا في السلسلة التي أصبحت قانوناً نافذاً»، مبدية عدم اقتناعها بالحجج التي تسوقها النقابة للرجوع عن الإضراب. وهنا قالت: «شغلة النقابة تضغط مع هيئة التنسيق لانتزاع الحق». إلا أن عبود أوضح أن لنقابة المعلمين ومعلمي القطاع الخاص خصوصيتهم التي تميزهم عن باقي مكونات هيئة التنسيق، وإن حَسَم مسألة عدم الانفصال عن الهيئة والحفاظ على الوحدة النقابية.

لا انسحاب من هيئة التنسيق

عبود رأى أنّ المعركة الحقيقية هي في مجلس النواب، لا في مجلس الوزراء، وبالتالي «نستطيع أن نأخذ استراحة المحارب».
إلا أنّه تحدث عن بعض الظروف التي قادت النقابة إلى اعتماد هذا الخيار، ومنها الضغوط التي يتعرض لها المعلمون بأشكال مختلفة، منها بشكل مباشر عبر منعهم من الالتزام بقرار النقابة بالإضراب، ومنها غير مباشر عبر إبلاغهم بتقصير العطل المدرسية في الأعياد الدينية. ورغم ذلك، كان معلمو القطاع الخاص، كما قال، على قدر الحس النقابي، فلامست مشاركتهم في الإضراب الـ 100% في اليوم الأول، والـ 80% في اليوم الثاني مع خروجهم بكثافة إلى اعتصام هيئة التنسيق.
عبود أكد أنّ المجلس التنفيذي اتخذ قراراً بالإجماع بتعليق الإضراب من أجل عدم وضع المعلمين في مواجهة مع إداراتهم ومع أهالي الطلاب في بداية العام الدراسي، وخصوصاً أن مجلس الوزراء أرجأ اتخاذ قرار بشأن السلسلة لأكثر من مرة، و«كون معركتنا ليست فقط في تجميد القانون لفترة، إنما هي في تنفيذه. وسبق لنقابة المعلمين أن أعلنت نيتها لتصعيد التحرك في بداية تشرين الثاني في حال عدم تطبيق أصحاب المدارس للقانون». كذلك، فإن التعليق نابع، بحسب عبود، من التخوف من المحاولات الحثيثة التي يقوم بها البعض لفصل التشريع، وانطلاقاً من أنّ قوة هيئة التنسيق واستمراريتها تكمنان في وحدتها.

ماذا في اقتراح قانون فصل التشريع؟

يسوّق أصحاب المدارس لاقتراح قانون معجل مكرر يستثني معلمي المدارس الخاصة من القانون الجديد للسلسلة، وقد زاروا حتى الآن النواب: ألان عون، ميشال فرعون ودوري شمعون، ولا يعرف كم هو عدد التواقيع التي حصلوا عليها حتى الآن. وينص هذا الاقتراح على مادة وحيدة تتضمن ما يأتي: تعدل المادة 13 من القانون 46 بتاريخ 21 آب 2017 بحيث تصبح:
أ ــ خلافاً لأي نص قانوني آخر، لا يستفيد من أحكام هذا القانون أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة، سواء كانوا داخلين في الملاك أو متعاقدين.
ب – تخضع العلاقات بين معلمي القطاع التعليمي الخاص ومؤسساتها المختلفة، بما فيها تحديد الرواتب والسلاسل والزيادات المتوجبة لاتفاقيات عمل جماعية وفق قوانين العمل ذات الصلة.
وتبرر المدارس فصل التشريع بأنّ المادة 13 ستؤدي حكماً إلى رفع الأقساط المدرسية بشكل كبير، ما يحمّل الأهالي أعباء مالية تضاف إلى أعبائهم المستجدة من جراء التعديلات لبعض أحكام المواد الضريبية، ومنها زيادة 1% على ضريبة القيمة المضافة.
كذلك، فإنّ إلزام أصحاب المدارس الخاصة بدفع الرواتب المستحقة وفقاً لسلسلة الرواتب الجديدة وملحقاتها من الدرجات الاستثنائية الست، دفعة واحدة، يحتمل أن يؤدي أيضاً، كما جاء في الأسباب الموجبة للاقتراح، إلى المساس بالاستقرار الوظيفي للمعلمين في المدارس الخاصة وإلى تقليص عدد الأساتذة الموظفين فعلاً أو الممكن توظيفهم من حملة الشهادات من أجل الحد من النفقات (رواتب وأجور)، الأمر الذي يترجم بشكل تلقائي إلى ارتفاع في نسبة البطالة بين حملة الشهادات الجامعية والتي هي بالأصل مرتفعة.
وفي الأسباب الدستورية، يقول أصحاب المشروع إن نص المادة 13 يشكل مخالفة للمبدأ الدستوري الذي يحمي التعاقد، بما يعرف بكتلة الحريات الاقتصادية التي بموجبها لا يجوز أن تتدخل الدولة أو المشرّع في تفاصيل العقود التي يجريها أشخاص الحق الخاص، كما يشكل أيضاً مخالفة لأحكام المادة 10 من الدستور التي تحمي حق الطوائف بالتعليم الحر ضمن ضوابط حددتها حصراً هذه المادة. وبالتالي، فإن أحكام السلسلة لا تشكل حقوقاً مكتسبة للمعلمين في القطاع الخاص ولا تلزم المشرّع بما سنّ من قوانين في السابق وإن امتدت لعقود من الزمن، وهي بالتالي لا تغطي المخالفة الدستورية الجسيمة.
ورداً على إمكانية إبراز حجة انتهاك الدستور بالقول إن التعليم قطاع مهم في الاقتصاد الوطني يجدر بالدولة التدخل في تفاصيله، يتسلح واضعو الاقتراح بقول بعض المشرعين إنّ ذلك يفتح الباب للدولة بالتدخل في تحديد رواتب قطاعات لا تقل أهمية عن التعليم كمثل قطاع الصحة، كأن تحدد الدولة رواتب الممرضين والممرضات في المستشفيات الخاصة أو في قطاع المصارف والمؤسسات التجارية.
وعلى الرغم من أن ربط سلاسل الرواتب بين القطاعين العام والخاص منصوص عليه في المادة 20 في قانون تنظيم الهيئة التعليمية لعام 1956، إلا أن الفصل بينهما ظل، بحسب أصحاب المشروع، مستمراً من الناحية العملية، ولكن في عام 1996 تمت إعادة ربطهما بالقانون 593/1996 (قانون تعديل سلاسل رواتب الهيئة التعليمية) والذي أقرّ بظروف خاصة لها علاقة بالانتخابات النيابية، فلم يكن ممكناً مناقشة خيارات أخرى من الناحية المالية أو اقتراح بدائل أكثر ملائمة لواقع الحال.
وخلصوا إلى أنّ هذه الصيغة القانونية تحقق التوازن بين الحفاظ على الحقوق المكتسبة لموظفي القطاع العام ومن في حكمهم من الفئات المستحقة، وبين عدم تحميل الأهالي أعباء مالية مرهقة، وبالوقت عينه مراعاة الوضع المالي لخزينة الدولة اللبنانية.