خلال لقاء عقده الرئيس سعد الحريري مع نواب تيار المستقبل في الضنية ومنسقيه وكوادره، بعد فترة من إقرار قانون الانتخابات الجديد، سألهم الشيخ سعد عن وضع التيار الانتخابي في المنطقة، فأجابه أحد الحاضرين: «النتيجة معروفة سلفاً يا دولة الرئيس، جهاد الصمد شايفو ناجح متل ما شايفك هلق. خلينا نشوف مين الناجح التاني في المنطقة».
تعكس هذه الرواية التي نقلها لـ«الأخبار» أحد الذين حضروا ذلك اللقاء، أزمة التيار الأزرق مع القانون الانتخابي الجديد القائم على اعتماد النسبية والصوت التفضيلي، في كل الدوائر الانتخابية بلا استثناء، وجعله غير قادر بعده على تجيير أصوات كتلته الناخبة للائحة معينة بكاملها، وأوقعه في أزمة عميقة نتيجة انقسام هذه الأصوات بين مرشحيه، الذين بات كل منهم يفكر في نفسه، وأصبح فوزهم معاً في الانتخابات موضع شك.
فبعدما أقدم الحريري على فصل المنية عن الضنية انتخابياً، وهما قضاء إداري واحد، للحفاظ على مقعدين نيابين على الأقل من أصل ثلاثة مخصّصة للقضاء (اثنين للضنية وواحد للمنية)، أصبح فوز تيار المستقبل بمقعدي الضنية أمراً شبه مستحيل، خصوصاً بعد تراجع خدماته بسبب أزمته المالية، وبعدما بات سلاح التحريض المذهبي أقل فاعلية.

أزمة «المستقبل» في الضنية ليست محصورة في الصمد، بوجود قوى أخرى تطمح إلى كسر «الهيمنة»


وتشير أغلب التوقعات في هذا المجال إلى أن النائب السابق جهاد الصمد، بات يشكل حالة استثنائية، لجهة الحضور الشخصي والشعبي والخدماتي والسياسي، لا يمكن أن يتجاهلها تيار المستقبل، وأنه واحد من قلّة من الوجوه السّنية التي استطاعت الوقوف في وجه التيار الأزرق، وهزيمته في أكثر من استحقاق محلي، سواء في الانتخابات البلدية، أو انتخابات اتحاد بلديات الضنية، أو انتخابات المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى.
أزمة تيار المستقبل في الضنية مع القانون الانتخابي الجديد يمكن استقراؤها من نتائج آخر انتخابات نيابية جرت عام 2009، عندما حصل نائباه في المنطقة، قاسم عبد العزيز وأحمد فتفت، على نحو 22 ألف صوت، وإذا ما قُسم الرقم على اثنين، استناداً إلى الصوت التفضيلي، فإن كلاً منهما سينال 11 ألف صوت، مع أفضلية نسبية لعبد العزيز، فيما حصل الصمد على قرابة 12 ألف صوت، وإذا ما احتسب التقدّم الذي سجله الصمد أخيراً، وتراجع عبد العزيز وفتفت، يمكن مسبقاً تصور النتيجة.
لكن أزمة تيار المستقبل في الضنية ليست محصورة في الصمد، بل هناك قوى ووجوه سياسية أخرى تطمح إلى كسر هيمنة التيار النيابية على المنطقة، معتبرة أن قانون الانتخابات الجديد يشكل فرصة ملائمة لها. ومن أبرز هذه القوى مسؤول المكتب السياسي في الجماعة الإسلامية في لبنان النائب السابق أسعد هرموش، ومحمد الفاضل نجل النائب الراحل أحمد الفاضل والمقرب من الرئيس نجيب ميقاتي.
كذلك لا يمكن إسقاط قوى سياسية أخرى لها حضورها في الضنية، وسيعطي الصوت التفضيلي وزناً مهماً لأصواتها، حتى لو لم يكن لديها مرشح حزبي للانتخابات، مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي، تيار المردة، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية، إضافة إلى نفوذ آل كرامي التاريخي، وما يحكى عن احتمال تبني الوزير السابق أشرف ريفي مرشحاً من المنطقة.
ولا تقتصر أزمة تيار المستقبل على مواجهته خصومه فقط، بل على أزمة داخلية تنذر بتصدّعات كبيرة ضمن القلعة الزرقاء، تتمثل في كثرة المرشحين والطامحين في صفوفه، وفي تراجع عامل الثقة بينهم. فالنائب عبد العزيز ردّد مراراً أنه حصل على المركز الأول في انتخابات 2009، وبما أن تيار المستقبل وفق القانون الانتخابي الجديد لن يفوز إلا بمقعد واحد على الأكثر، فإن فتفت أصبح مهدداً بخسارة مقعده. لذلك، بدأ الأخير يكثف حضوره في المنطقة، ويحاول معالجة الانقسام الكبير حوله داخل عائلته التي خرجت أصوات منها لأول مرة تطالب علناً باستبدال مرشَّح آخَر به من العائلة، وإلا فإنها ستحجب أصواتها عنه.