أخذت وكالة «موديز» قراراً بتحسين رؤيتها المستقبلية للبنان وللقطاع المصرفي. قرارها مبني على الخلاصة الآتية: «تعكس هذه الرؤية التطور في الفعالية السياسية بعد سنوات من الشلل السياسي». الوكالة تقول إن تجدّد الحياة السياسية أدّى إلى تحسن بسيط في النشاط الاقتصادي، ووفّر بيئة تشغيل أكثر استقراراً للمصارف، إذ إن انتخاب رئيس للجمهورية أنهى أزمة سياسية عمرها ثلاث سنوات من الفراغ الرئاسي، «أما المستقبل السياسي فلا يزال مرتبطاً بالانتخابات النيابية المقررة في أيار 2018».
هذا الاستقرار السياسي المستعاد حفّز التعافي الاقتصادي. لذا، تتوقع «موديز» أن «يكون النمو عند مستوى 2.8% في 2017، و3% في عام 2018 مقارنة مع 1.8% في 2016». لكنها تشير أيضاً إلى «رفع معدلات النمو يتطلب إصلاحات، فيما هناك نقص في الاستثمارات في البنية التحتية وغياب أي إصلاحات اقتصادية منذ 2011، ما يزيد الضغط على القطاع الخاص ويمنع عودة النمو إلى مستوياته السابقة المسجلة بين 2007 و2010، أي 9%». وتتفاقم هذه المشكلة مع «وجود عدد كبير من النازحين السوريين بينهم مليون نازح مسجل». هذا الوضع يضع «ثقة المستثمرين في مستويات متدنية، فيما ثقة المستهلك تعكس هشاشة الأوضاع السياسية».

الدين العام كان
له دور أساسي وفعال في تضخيم حجم القطاع المصرفي

من ضمن الرؤية «المستقرّة»، تعتقد موديز أن المحركات الرئيسية للنمو في لبنان ليست مستقرّة، «فالسياحة تتعافى، لكن أداء قطاع الإنشاءات والمقاولات والعقارات لا يزال متدنّياً». وإلى جانب تحويلات المغتربين، فإن السياحة والعقارات والإنشاءات والاستثمارات الأجنبية المباشرة هي محركات انتقال التدفقات الرأسمالية إلى لبنان. لذا، إن المشكلة التي تواجه القطاع المصرفي في لبنان هي مشكلة الديون المتعثرة في قطاعي العقارات والإنشاءات. فالوكالة تتوقع «بعض التدهور في القروض المصرفية، وخصوصاً في القطاع العقاري والإنشاءات التي لم تعد إلى التعافي. ديون الإنشاءات المتعثرة ارتفعت إلى 15% من الديون الإجمالية في نهاية 2016، مقارنة مع 11% في السنة السابقة».
غير أن هذه المشكلة ليست هي الوحيدة في النظام المالي، بل أيضاً هناك المشكلة التقليدية المتعلقة بـ«انكشاف المصارف الكبرى على الدين السيادي، ما يربط جدارتهم الائتمانية بالحكومة اللبنانية. وهذا ما يضع هذه المصارف أمام مخاطر ارتفاع معدلات الفائدة بسبب طول عمر هذه الأدوات (أدوات الدين السيادي من سندات خزينة وشهادات إيداع وسواها) من دون إمكانية تداولها في السوق الثانوية (تداولها في السوق الثانوية يوفّر للمصرف إمكانية تسييلها عند الحاجة أو التخلص منها في حالة تسجيل الخسائر). أدوات الدين السيادي تمثّل 48% من الأصول المصرفية في نهاية حزيران 2017». وتلفت موديز إلى التشوهات في البنية المالية في لبنان، مشيرة إلى أن الدين العام اللبناني هو من أعلى المستويات العالمية قياساً بالناتج المحلي الإجمالي «وكان له دور أساسي وفعال في تضخيم حجم القطاع المصرفي الذي بلغ 4 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي». ورغم أن القروض المصرفية «تمثل حصّة صغيرة من الأصول المصرفية ــ 28% في نهاية حزيران 2017 ــ إلا أن التسليفات للقطاع الخاص المحلية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي هي أعلى وتوازي 110% من الناتج».
واستدلت موديز من خلال اختبارات الضغط التي نفذتها على النظام المالي، أن قدرة هذا النظام على احتمال السيناريو الأسوأ ضعيفة جداً مقارنة مع أنظمة مالية أخرى، إذ إن «الخسائر في استثمارات المصارف في الأوراق المالية تبدو كبيرة في كل الحالات، فهي قد تقلص رأس المال بمعدل 1.8% في سيناريو عادي، إلا أنه في السيناريو الأسوأ ستطيح كل رؤوس أموال المصارف في القطاع».
أما ربحية المصارف، فهي بدورها تتعرض لضغوط الاستدامة والاقتطاع الضريبي «قد يصبح على المصارف أن تدفع فوائد أعلى لاستقطاب ودائع جديدة»، ما يعني أن معدلات الفوائد ذاهبة نحو الارتفاع لتغذية استمرار النظام المالي.