على طريقته، عبّر فريق بعثة خبراء صندوق النقد الدولي عن المخاطر المحدقة بلبنان. يقول رئيس البعثة كريس جارفيس، إنه «لا يزال نظام ربط سعر الصرف يشكل ركيزة اسمية ملائمة. ويتعين أن يكون مصرف لبنان على استعداد لزيادة أسعار الفائدة في حالة تباطؤ وتيرة تدفقات الودائع الداخلة بعد انتهاء آخر جولات عمليات الهندسة المالية. ومن الضروري كذلك أن يواصل مصرف لبنان رصد المخاطر وتخفيفها في القطاع المصرفي».
هذه العبارة تعدّ أهم ما ورد في البيان الصحافي لرئيس بعثة خبراء صندوق النقد إلى لبنان، كريس جارفيس، وهي أكثر من كافية للتحذير من الاستمرار بعمليات شراء الوقت من خلال تنفيذ هندسات مالية لتأمين التدفقات المالية، لا بل إن الصندوق يذهب أبعد بالإشارة إلى الاستعداد لرفع الفائدة، إذ إنها سترتب على الدولة كلفة أكبر في الاقتراض، بما يعنيه ذلك من ارتفاع في الدين العام وزيادة في خدمته، بالإضافة إلى زيادة الأكلاف على القطاع الخاص... ما يقوله صندوق النقد الدولي، بهذا الوضوح، ينبئ بأن المخاطر بدأت تصبح أكبر وأعمق ولا تجاريها أي إصلاحات في بنية النظام المالي والاقتصادي.
هذا التحذير وجّهه جارفيس علناً بعد سلسلة لقاءات أجراها فريقه في لبنان، ضمن ما يعرف بـ«ببعثة المادة الرابعة». مكثت هذه البعثة في لبنان من 7 أيلول حتى 13 منه، وزارت رؤساء الجمهورية ميشال عون، والحكومة سعد الحريري، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والمدير العام لوزارة المال ألان بيفاني، ووزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي، ووزير الدولة لمكافحة الفساد نقولا تويني، بالإضافة إلى اجتماعات عُقِدت مع أعضاء مجلس النواب ومسؤولين في وزارة المال ومصرف لبنان وممثلين عن القطاع الخاص.
وبحسب جارفيس، تشير التوقعات إلى بقاء النمو الحقيقي ضعيفاً في 2017، في ظل اختلالات خارجية كبيرة للغاية، لافتاً إلى أن العجز الكبير في الموازنة هو مصدر المخاطر، إذ أدى إلى بلوغ الدين العام 148% من إجمالي الناتج المحلي في 2016. كذلك أشار إلى أن نفقات المالية العامة ستزداد كثيراً، في ظل الزيادات في سلسلة رواتب القطاع العام التي صدرت الموافقة بشأنها أخيراً، علماً بأن التدابير التي أقرّها مجلس النواب لزيادة الإيرادات وإعادة التوازن إلى المالية العامة، عُلِّقَت في الوقت الحالي.
يأتي هذا المشهد رغم أن «اقتصاد لبنان معروف بصلابته، وتمكن مراراً من تجاوز صدمات كبيرة»، إلا أن الحفاظ على الثقة بحاجة ماسة إلى «وضع الاقتصاد على مسار قابل للاستمرار ووقف ارتفاع الدين العام. كذلك يتعين تصحيح أوضاع المالية العامة في البداية بالارتكاز على تدابير زيادة الإيرادات، وتحسين مستوى الامتثال الضريبي، ورفع الضرائب على الوقود، واستعادة توازن الإنفاق بوسائل، منها الحدّ من التحويلات المكلفة إلى شركة الكهرباء». أما الاقتراحات التي يقدّمها جارفيس وفريقه إلى لبنان، فهي تكمن في قدرة السلطات على تعزيز النمو القابل للاستمرار «من خلال تنفيذ الإصلاحات الهيكلية بوسائل، منها اتخاذ خطوات نحو تحسين بيئة الأعمال». ويضيف أن «هناك حاجة لتحسين الإطار المؤسسي قبل تنفيذ مشروعات استثمارية كبيرة، وتقييم المخاطر والتكاليف المحتملة على المالية العامة من أي مشروعات تُبنى على علاقة شراكة بين القطاعين العام والخاص. وصدور قانون الموازنة العامة ــ وهو الأول منذ ما يزيد على 10 سنوات ــ مع اتخاذ تدابير فعالة لتصحيح أوضاع المالية العامة من شأنه إرسال إشارة قوية على التزام خفض الدين العام، فضلاً عن تعزيز الثقة».
(الأخبار)