أنهت إسرائيل أمس المناورة الفيلقية الكبرى، التي عُدّت أهم وأوسع مناورة عسكرية إسرائيلية منذ 19 عاماً، في محاكاة لحرب واسعة و«طاحنة» في مواجهة حزب الله، مع نتيجة مقررة ومسبقة: الحسم وهزيمة الحزب.
وأُريد للمناورة، على مستوى القرار العسكري والسياسي في إسرائيل، أن تحقق هدفين: تحسين جاهزية الجيش لمواجهة حرب قد تخاض لاحقاً ضد حزب الله، ربطاً بتعاظم قدراته العسكرية وخبرته القتالية التي تستدعي استعداداً وجاهزية مرتفعة جداً؛ فيما الهدف الثاني موجه إلى الجمهور الإسرائيلي، وكذلك إلى العدو وجمهوره في الجانب الثاني من الحدود، لكنه جاء زائداً على حدّه ومفرطاً، ومشبعاً بمفردات الحرب النفسية والتوظيف التهويلي، الأمر الذي ووجه بردّ فعل إسرائيلي مشكك، لم يقتصر على الخبراء والمراسلين العسكريين فحسب، بل امتد إلى الجمهور نفسه، الجهة الأكثر عناءً بتلقي الرواية الإسرائيلية لغرض الاطمئنان إلى قدرة الجيش الإسرائيلي على الدفاع في مواجهة الحزب.
رواية إسرائيل العلنية حيال المناورة أُصيبت بأضرار طاولت أهدافها كلها، وتحديداً الثقة بمقدرات الجيش الإسرائيلي وقيادته السياسية، بعدما تجاهل وزراء المجلس الوزاري المصغر دعوة القيادة العسكرية للمشاركة في فعالياتها وتلقي خلاصة عن نتائجها. وإذا كان المجلس الوزاري المصغر غير مبالٍ، كما اتضح من الامتناع عن المشاركة، وهو الجهة التي تشكل رأس القرار الأمني والسياسي في إسرائيل، فسيصغر معه عدم مبالاة، وتشكيك، ما هو أدنى منه، وصولاً إلى الجمهور الإسرائيلي نفسه.
وكشفت وسائل الإعلام العبرية أمس «تخاذل» الوزاري المصغر، بحسب أحد التعبيرات العبرية، بتخلف أعضائه عن تلبية الدعوة لحضور استعراض خاص في قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي (في مدينة صفد المحتلة)، وكان بانتظارهم كل من رئيس أركان الجيش غادي أيزنكوت، وقائد المنطقة الشمالية يوئيل سترايك، وقائد الفيلق الشمالي تامير هايمن، وجميع قادة الفرق المشاركة في المناورة.
مصادر عسكرية رفيعة في الجيش الإسرائيلي عبّرت عن «دهشتها»، بعد أن لبى وزير واحد الدعوة، فيما تخلف الآخرون، وأشارت المصادر نفسها لموقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى أنه «مظهر من مظاهر غياب الجدية والمسؤولية لدى أعضاء المجلس الوزاري المصغر، رغم أنه كان يفترض أن يتلقوا في الاستعراض المقرر عرضاً عن أحد أهم التهديدات المركزية التي تواجهها إسرائيل».
وكانت المناورة، وتحديداً نتيجتها المحددة مسبقاً في هزيمة حزب الله، مدعاة تشكيك من قبل المراسلين العسكريين والخبراء الإسرائيليين، من اليوم الأول. وهي ظاهرة، استثنائية جداً، أن يشكك الإسرائيليون في ما يرد عن الجيش الإسرائيلي.
المراسل العسكري في القناة العاشرة، أور هيلر، نقل رواية الجيش عن الحسم في مواجهة حزب الله، مع تعليق وابتسامة: «هذا إن كانت هزيمة حزب الله في الأساس معقولة وممكنة». وأضاف أنه «عندما سألت كبار المسؤولين الذين يقودون المناورة، وجدوا صعوبة في الشرح لي، كيف يمكن الحسم في مواجهة الحزب»، فيجيبه آخر في الاستوديو نفسه: «تذكرني عبارة الحسم والانتصار بالمقولة الأميركية: لندَّعِ أننا انتصرنا، ولنهرب من هناك».
في السياق نفسه، أكد كبير معلقي الشؤون العسكرية في «يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان أنه «عندما ينفخ الجيش الإسرائيلي عضلاته على الحدود الشمالية، ويتحدث عن هزيمة حزب الله، من الأفضل له العودة إلى عام 2006، كي يناسب قليلاً بين خطابه وقدرته التنفيذية، نعم من الصحيح إرسال رسائل قوة واقتدار إلى حزب الله، لكن لا يجوز أن نسير أسرى خلف مناورة عقيمة للجيش».
ورداً على نتيجة المناورة كما أُعلنت، أي الحسم في مواجهة حزب الله، كتبت معلقة الشؤون العسكرية في «هآرتس»، غيلي كوهين، تذكّر بمواقف وتصريحات إسرائيلية سابقة خلصت إلى استحالة هزيمة حزب الله. وتؤكد أن هذا هو الرأي السائد لدى النخب العسكرية والأمنية في إسرائيل: وزير الأمن السابق، موشيه يعلون، قال إن الحسم غير ذي صلة جراء مواجهة بين دولة وعدو غير دولة؛ رئيس الأركان السابق، دان حالوتس، أكد أن الجانب المادي من الحسم لم يعد قائماً؛ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي أيزنكوت، خلال توليه مسؤولية شعبة العمليات، قال إن سحق حزب الله نتيجة لا يمكن أن تتحقق؛ قائد سلاح الجو السابق أمير ايشل، لدى توليه رئاسة شعبة التخطيط، قال إنه لا يمكن سحق منظمة مغروسة بشكل عميق في قلب شعبها، وفقط يمكن ردعها؛ أما رئيس الأركان السابق بني غانتس، فأكد أيضاً أن «سحق» حزب الله غير ممكن.
التشكيك انسحب أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وإن كان من بين الإسرائيليين من أعجبته فكرة «الحسم». ومن الكمّ الهائل من التعليقات، نكتفي بإيراد تغريدتين رُبطَتتا بكلام عن هزيمة حزب الله. الأولى: «أنا مقتنع بأنكم لم تستطيعوا النوم هذه الليلة، إلا بعد أن وصلتكم أخبار المناورة بأن الجيش انتقل من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم على حزب الله».
فيما جاءت الثانية، بعد اعلان انتهاء المناورة واعلان الانتصار فيها: «انتصار؟ هذا مجرد حلم. تدركون أن حزب الله لن يتأثر، بل وتدركون ذلك جيداً».