إدانة حزب الله في مجلس الأمن خطّ أحمر روسي، ويدفع موسكو إلى استخدام حق النقض. هذا ما كشفت عنه أمس مصادر دبلوماسية إسرائيلية، شاركت في المداولات التي سبقت صدور قرار التمديد لقوة اليونيفيل عاماً إضافياً.
والتهديد الروسي باستخدام الفيتو لمصلحة حزب الله في مجلس الامن قد يعدّ نقلة نوعية للدبلوماسية الروسية، رغم أنه في الواقع تعبير طبيعي ومنطقي عن حقيقة التحالف الاستراتيجي القائم بين روسيا ومحور المقاومة، والذي يتجاوز في أهدافه «مهمة» مساعدة الدولة السورية على مواجهة التهديدات، بل يرتبط أيضاً باليوم الذي يلي انتصار الدولة السورية، ليمتد حضوره إلى الإقليم. تحالف دفع معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب إلى التأكيد، في بحث صدر عنه أخيراً، أن موسكو تنظر إلى الوجود الإيراني وحزب الله في سوريا على أنه «ثروة روسية».
إذاً، أمّنت موسكو مظلة حمائية في المحفل الدولي الأهم، مجلس الأمن، ومنعت عن حزب الله حملة تحريض وتشويه كانت تهدف إليها إسرائيل والولايات المتحدة. لكن الخطوة لا تقتصر، بتداعياتها ونتائجها المباشرة وغير المباشرة، على موضوعة اليونيفيل وتعديلات تفويضها. محور الرسالة الروسية المباشرة هو القوة الدولية، لكن خلفياتها وأهدافها تتجاوز ذلك، لتشير إلى المقاربة الروسية العملانية للساحتين السورية واللبنانية. وهي تشكل نوعاً من الخطوط الحمراء الضمنية الروسية، والتي قد ترتقي لاحقاً في حال ارتقاء الجهة المقابلة.
واذا كان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو قد سارع إلى موسكو في أعقاب تيقّنه من انتصار الدولة السورية وحلفائها في سوريا، عارضاً أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطوطه الحمراء لمرحلة ما بعد الانتصار، إلا أن الأخير اختار كجواب على هذه التهديدات، التي تطال أيضاً ومن ناحية استراتيجية المصالح الروسية في سوريا، مسارين اثنين:
في الأول، دعا بوتين نتنياهو إلى التواصل معه في شؤون المنطقة، بعد أن استعرض الثاني تهديداته و«خطوطه الحمراء» الجديدة إزاء الساحة السورية التي تنصّ على إبعاد حزب الله وإيران عن سوريا. وهي دعوة من بوتين، بمفهوم التهديد الضمني، أن الموقف من أيّ تطور في سوريا يمكن معالجته فقط عبر البوابة الحصرية الروسية، وبما تسمح به موسكو، وفي حدّ أدنى، التفاهم معها. موقف كان على تل أبيب أن تدرك أنه دعوة إلى «التعقل» في سياق تهديداتها المتواصلة للساحة السورية.
في المسار الثاني، العملاني، اختار بوتين توجيه رسالة من نوع آخر، عبر المداولات التي سبقت قرار التمديد لليونيفيل. تداعيات هذه الخطوة المباشرة جاءت كبحاً لطموحات إسرائيلية وأميركية هدفت إلى تغيير تفويض اليونيفيل، أو ساعدت، بعبارة أدق، كثيراً على كبح هذه الطموحات. لكن الخطوة الروسية في الوقت نفسه هي رسالة تتجاوز موضوعة القوة الدولية وتعدّ استعراضاً روسياً مضاداً للاستعراض الإسرائيلي المتواصل منذ أسابيع وأشهر. بمعنى، إذا كانت إسرائيل تهدد بإمكان تفعيل قوتها لإظهار تصميمها بأن «رب البيت سيجنّ» في حال لم تلبِّ موسكو مطالبها ضد إيران وحزب الله في سوريا، فقد اختار بوتين ساحة الأمم المتحدة للرد على هذا الاستعراض، من بين ردود أخرى، لم تظهر حتى الآن إلى العلن.
وكانت صحيفة هآرتس، التي كشفت «الرسالة الروسية» أمس، قد نقلت عن مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى قولها إن المسعى الابتدائي لواشنطن في تضمين نص قرار التمديد لليونيفيل إدانة لحزب الله، ووجه برفض روسي قاطع، فيما أكدت البعثة الإسرائيلية في اتصالاتها مع تل أبيب أن الخط الأحمر والفيتو الروسيين كانا حاضرين في حال ذكر اسم حزب الله في نص القرار.
وبحسب كلام موظف إسرائيلي رفيع المستوى، التصرف الروسي ليس إلا واحداً من بين مظاهر كثيرة تشهد على التقارب القائم بين روسيا وحزب الله، ونتيجة للائتلاف بين روسيا وإيران، الذي تكوّن في الأساس لمساعدة نظام (الرئيس السوري، بشار) الأسد في سوريا. وكما يؤكد المصدر، المصالح الروسية في سوريا والأنشطة العسكرية المشتركة بين الروس وحزب الله، ضد داعش وبقية التنظيمات المسلحة هناك، كانت كافية كي تدفع موسكو لمساعدة حزب الله سياسياً في مجلس الأمن.
وبحسب «هآرتس»، الجدير بالذكر أن الخطوة الروسية أتت بعد أيام قليلة من لقاء نتنياهو ببوتين. وفي ذلك أكثر من دلالة حول الموقف الروسي من المطالب الإسرائيلية التي نقلها إليه، بشأن اليوم الذي يلي انتصار المحور المعادي لإسرائيل، في سوريا.