لم تكن سهلة مرحلة ما بعد اغتيال رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري على وزير الداخلية، في حينه، سليمان فرنجية. أُثقل كاهل «الزعيم» الزغرتاوي بمسؤوليّة دم الحريري. الأجواء السياسية المحقونة وقتها سهّلت عملية تخوينه. ضُيّق الخناق عليه، فلاذ إلى حصنه الشمالي. ولكن، «المُتّهم» لم يكن وحيداً بالكامل. فقد بقي إلى جانبه حليفه، الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي لم يفك الروابط معه إلا وقت الانتخابات الرئاسية، يوم اختار «القومي» الاقتراع للعماد ميشال عون. حُكي الكثير في حينه عن «عتبٍ» زغرتاوي على «القومي».
رغم أنّ الأخير لم يُسجّل ملاحظاته على فرنجية، لا حين لاقى رئيس الحكومة سعد الحريري في باريس في وقت يُتّهم فيه بعض أعضاء تيار المستقبل بارتكاب مجزرة حلبا بحق القوميين عام 2008، ولا سابقاً، حين صالح نائب زغرتا حزب الكتائب والتقى الرئيس أمين الجميّل في بكفيا، ولا مؤخراً بانفتاح «المردة» على القوات اللبنانية، وزيارة الوزير السابق يوسف سعادة لمعراب.
الاتصالات الدائمة بين «المردة» و«القومي»، وحديثهما الإيجابي أحدهما عن الآخر، ولقاء الغداء بين فرنجية والنائب أسعد حردان قبل قرابة ثلاثة أشهر، أسهمت في تبديد الأجواء الضبابية. إلا أنّه في الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى في الحزب القومي، والذي خُصّص الجزء الوافر منه للخلافات الداخلية، تكلّم حردان عن «وجود مشكلة بين القومي والمردة، سببها اعتبار فرنجية أنّ قيادة الروشة تُنسّق مع التيار الوطني الحر في ما خصّ الانتخابات النيابية المُقبلة، لا سيّما في دائرة الشمال الثالثة (تضم أقضية البترون، الكورة، بشري، وزغرتا)»، بحسب مصادر شاركت في الاجتماع. وأتى حديث حردان في سياق عرضه أزمة حزبه الداخلية «وذكره لوجود خلافات وملفّات عدّة تستوجب تضافر الجهود وأن يلعب كلّ كادر دوره. ومن بين هذه الكوادر، الأعضاء المستقيلون من المجلس الأعلى».

زار أحد القوميين الشماليين بنشعي وأبلغ فرنجية أنّه لم يعد حليفاً انتخابياً



بين «المردة» و«القومي» علاقة عميقة تعود إلى ما قبل نشوء الأول كتيار تنظيمي. بدايتها مع النائب والوزير الراحل حميد فرنجية، الذي كانت له صداقات مع العديد من القوميين، وهو محامي الدفاع عن مؤسّس «القومي» أنطون سعادة، بعد انكشاف أمره واعتقاله مع أركان حزبه عام 1935. العلاقة استمرت مع الرئيس سليمان فرنجية، ولكنها لم تكن دوماً مستقرة. مدّ وجزر، من أسبابهما الحسابات الانتخابية في الكورة، فكان الرئيس فرنجية يدعم الفريق المناوئ للرئيس الأسبق لـ«القومي»، الراحل عبدالله سعادة، والمُتمثل بالنائب الراحل باخوس حكيم. في عكار أيضاً، كان الفريقان يترشّحان كلّ على لائحة. ومرحلة القتال في الكورة خلقت «بُعداً نفسياً» بين قضاء الزيتون وزغرتا «تمّ تجاوزه سريعاً»، بحسب أحد السياسيين المتابعين للحزب القومي وآل فرنجية. هذه الأمور لم تمنع الرئيس فرنجية من «التعاطف مع حزب الزعيم (سعادة)، غداة انقلاب 1961 ضدّ حكم الرئيس فؤاد شهاب». يستند المصدر إلى طلب الرئيس فرنجية إخلاء سبيل العسكريين الثلاثة: شوقي خيرالله، فؤاد عوض، وعلي الحاج حسن، الذين شاركوا في الانقلاب، ليؤكد كلامه. في زمن رئيس تيار المردة، شهدت العلاقة بين «القومي» و«المردة» ثباتاً واستقراراً. خرق الهدوء «نفور شخصي، ولكن آثاره كانت محدودة بين فرنجية والنائب السابق سليم سعادة».
من الممكن أن يتكرر التباعد في المرحلة المقبلة، لا سيّما إذا ما وجد «القومي» أنّ مصلحته الانتخابية يؤمنها تحالفٌ عريض مع التيار الوطني الحر، ويشمل دوائر عدّة كعكار، والشمال الثالثة، والمتن، وبعبدا، والشوف ـــ عاليه، وزحلة، والبقاع الغربي، وبعلبك ــ الهرمل، والنبطية ــ بنت جبيل ــ مرجعيون ــ حاصبيا. انطلاقاً من هنا يُفهم توجّس فرنجية من تحالف عوني ـــ قومي. تضاف إلى ذلك زيارة أحد القوميين الشماليين لبنشعي، وإبلاغه فرنجية أنّه لم يعد حليفاً انتخابياً لـ«القومي». يؤكد عضو الهيئة التنفيذية في المكتب السياسي وعميد الخارجية في «القومي» حسّان صقر القصّة. ولكنّه يوضح أنّ «المصدر غير مسؤول وغير معنيّ بملفّ العلاقة. وقد عمدت قيادة الحزب إلى التوضيح لفرنجية أنّه حليف استراتيجي سياسياً ووطنياً. أما انتخابياً، فما زال حزبنا يدرس خياراته، ليُبنى على الشيء مقتضاه». أما في ما خصّ علاقات «المردة» المُستجدة مع خصومها «الاستراتيجيين»، فلا تُزعج «القومي»، بحسب صقر الذي يقول: «نفهم تركيبة الأحزاب الأخرى وحقّها بالانفتاح على من تريد. ولكن نحن تركيبتنا كحزب علماني تختلف، والتحالفات بالنسبة إلينا تكون مبنية على أُسس سياسية».
من جهتها، تنفي مصادر «المردة» أن يكون فرنجية قد سجّل ملاحظات على العلاقة بينه وبين الحزب القومي، «علاقتنا أكثر من ممتازة، والتواصل شبه يومي. لا عتب ولا زعل من قيادته». ولكن قد يكون سبب انتشار هذه الأخبار «كلام أنّ الوزير جبران باسيل يبحث في إمكان التحالف مع القوميين، لا سيّما في الشمال الثالثة، خاصة إذا لم يتحالف مع القوات». رغم أنّ التحالفات لم تُحسم بعد، ولكن برأي مصادر تيار المردة «القومي لا يتركنا، والمنحى الطبيعي أن نكون متحالفين. لا يُمكن مثلاً أن يتصور القومي في الكورة الاقتراع لغير خيار فرنجية». ولكن في النتيجة، تقول المصادر إنّ «كلّ طرف يتصرف وفق ما تقتضيه مصلحته».