39 عاملاً لبنانياً وسورياً محجتزين في عرض البحر، قبالة الشواطئ التركيّة، منذ 20 يوماً، على متن باخرة «الوردة» التابعة لشركة «خليفة لنقل المواشي»، المسجّلة في وزارة الأشغال والنقل اللبنانيّة، ويرزح هؤلاء تحت وطأة أوضاع إنسانيّة وصحيّة مأسويّة، إذ شارفت المواد الغذائيّة التي بحوزتهم على الانتهاء، فيما الدولة اللبنانيّة تعيش في غيبوبة تامّة، وكأن مسؤوليّة مواطنيها العالقين في البحر والعمّال السوريين المسجّلين لديها لا تقع على عاتقها.
ويعود السبب في احتجازهم إلى الأزمة الماليّة التي تعاني منها الشركة المدينة لمجموعة من المصارف، وهو ما أدّى، بحسب العاملين على الباخرة الذين تواصلت معهم «الأخبار»، إلى «تنفيذ أمر حجز عليها عند دخولها إلى المياه الإقليميّة التركيّة، منذ 20 يوماً، وتالياً منعهم من قبل وكيل الباخرة (الشركة) من الخروج من الباخرة إلى البرّ التركي، خوفاً من إلزام الشركة بدفع المستحقّات المترتبة عليها من جهة، وتفادياً لأي مشكلات حقوقيّة قد تترتب عليها من جهة أخرى نتيجة ادعاء البحّارة على الشركة التي لم تدفع مستحقّاتهم منذ أكثر من سنة، ما أدّى إلى حرمانهم حقوقهم الماليّة والاجتماعيّة».

تعثّر الشركة والبحّارة يدفعون الثمن!

تعود المشكلات التي يعاني منها العاملون على بواخر شركة «خليفة لنقل المواشي» إلى أكثر من سنتين، نتيجة تعثّرات ماليّة تعاني منها الشركة أدّت إلى حرمانهم رواتبهم ومستحقاتهم الماليّة، وترتيب ديون على عاتق الشركة لبعض المصارف، وهو ما أدّى إلى احتجازهم قسراً في تركيا، واحتجاز عشرات العمّال غيرهم على متن باخرتين أخريين تابعتين للشركة نفسها قبالة السواحل البرازيليّة.
بحسب مصادر مصرفيّة، تعاني الشركة من تعثّر مالي أدّى إلى حجز مجموعة من البواخر التابعة لها، نتيجة امتناعها عن تسديد الديون المترتبة عليها، وذلك بعد فشل عمليّات توسيع الأعمال التي قامت بها. فيما تفيد أوساط العاملين بأن «صاحب الشركة هرب مع شقيقه وابنه إلى هنغاريا، بعدما وصلت الديون المترتبة عليه إلى نحو 30 مليون دولار أميركي، وهو ما دفعه إلى تأسيس شركة جديدة، ونقل ملكيّة ثلاث بواخر إليها لإبعادها عن تداعيات الأزمة الماليّة التي تلاحقه».
تفيد مصادر إدارة الشركة في اتصال معها إلى أنها «تمرّ بظروف ماليّة صعبة قيد المعالجة، وهناك بواخر مرهونة للمصارف»، مشيرة إلى أن «وضع العمّال على متن الباخرة جيّد وليس مأسوياً، وكلّ متطلباتهم مؤمنة، وعندما توقّع الشركة عقد شحن جديداً تحلّ مشكلة حجزهم».

وضع إنساني مأسوي

احتجاز العمّال قسري ومخالفات الشركة
لا يجوز أن يدفع
ثمنها العامل

يروي أحد العاملين على الباخرة لـ«الأخبار» الوضع المأسوي الذي يعانون منه «لكون كميات المواد الغذائيّة شارفت على الانتهاء، وكذلك دواء الإنسولين الذي يتناوله مرضى السكري بينهم، فضلاً عن مادة المازوت، وهو ما يشكّل خطورة على حياة العمّال المحتجزين وصحّتهم، وكذلك على سلامة الملاحة في البحر نتيجة انطفاء أنوار الباخرة التي ستصبح مصدر خطر للبواخر العابرة الأخرى»، ويتابع: «من المفترض على صاحب الباخرة أو وكيلها تأمين مستلزمات عيشنا على متن الباخرة، إلّا أنهم يمتنعون عن ذلك، ويمنعوننا من النزول إلى البرّ خوفاً من أن ندّعي عليهم، علماً أننا أيضاً لا نملك ثمن نزولنا إلى البرّ، لكوننا موجودين في عرض البحر على بعض أميال من الشاطئ، وذلك نتيجة عدم دفع مستحقاتنا الماليّة منذ أكثر من سنتين، وهو الأمر الذي اضطرنا إلى ركوب البحر في هذه الرحلة بعدما وعدونا بدفع مستحقاتنا في حال إنجازنا هذه الشحنة».
رغم هذا الوضع، إلّا أن أجهزة الدولة اللبنانيّة تغضّ الطرف عن متابعة مشكلتهم، يقول العاملون إنهم اتصلوا مرّات عدّة بالمدير العام للنقل البري والبحري في وزارة الأشغال العامّة والنقل، عبد الحفيظ القيسي، «إلّا أنه لا يردّ على اتصالاتنا، فيما أفدنا بأن عقود عملنا ضائعة رغم وجود نسخ لدينا عنها. كذلك اتصلنا بأصحاب الباخرة دون نتيجة، وبالاتحاد الدولي لعمّال النقل (ITF) الذي لم يحرّك ساكناً واعتذر عن عدم مساعدتنا، باعتبار أن الباخرة محجوزة لأحد المصارف. فيما وعدنا القنصل اللبناني في تركيا بتحريك القضية والتواصل مع المعنيين، لكون مطلبنا الوحيد راهناً هو نقلنا إلى بيروت، لكون لا علاقة لنا بأزمة الشركة الماليّة مع المصارف».

الدولة في غيبوبة إراديّة

تقبع الدولة اللبنانيّة في غيبوبة إراديّة، للتهرّب من مسؤوليتها تجاه مواطنيها الموجودين في عرض البحر، وللعاملين السوريين المسجلّين لديها. وأمام هذه الحالة، يبقى العمّال هم الحلقة الأضعف، لكون الحجز الماديّ المفروض على الباخرة تحوّل إلى حجز حريتهم أيضاً، وسلب إرادتهم وحرمانهم أبسط حقوقهم الإنسانيّة.
يقول المدير العام للنقل البري والبحري في وزارة النقل عبد الحفيظ القيسي، إن «المديريّة قامت بواجباتها، وأرسلت كتباً إلى صاحب الباخرة لحثّه على فكّ حجز الباخرة ودفع مستحقات العاملين وتأمين متطلبات عيشهم، وتسريع هذه المعاملات مع السلطات التركيّة واللبنانيّة». وعن دور الوزارة في حماية مواطنيها بما يفرض تعاونها مع وزارة الخارجيّة لاستعادتهم، كما وحمايتهم بوصفهم مواطنين ويحملون إجازات عمل خاصّة صادرة عن وزارة النقل، كما وأن الباخرة مسجّلة لديها أيضاً، يردّ القيسي قائلاً: «لقد قمنا بالإجراءات اللازمة وفق الصلاحيات المُعطاة لنا، وهي متابعة الأمر والحثّ على تسريع المعاملات، أمّا البحّارة فهم معتادون العيش على متن البواخر، التي لا يمكنهم تركها من دون ملاحين».

تحديد المسؤوليات

تتوزّع المسؤوليات في هذه الحالة، بحسب رئيس اتحاد العمّال والمستخدمين في لبنان، كاسترو عبد الله، على «الشركة المُفترض بها العمل مع السلطات التركيّة لإخراج عمّالها من الورطة والتعويض عليهم، وحلّ مشاكلها الماليّة لاحقاً، كما على الدولة اللبنانيّة ممثّلة بوزارة الأشغال العامّة والنقل المسؤولة عن هؤلاء البحّارة الذين لديهم عقود عمل من المفترض أنها مُسجلة لديها (لا في وزارة العمل)، وذلك من خلال التواصل مع وزارة الخارجيّة والمغتربين المسؤولة عن حماية كلّ لبناني في الخارج لإعادتهم إلى لبنان، كذلك تترتب مسؤوليّة على وزارة العمل (ولو أن عقود العمّال البحريين غير مسجّلة لديها)، لكونها المسؤولة عن كلّ عامل في لبنان باعتبارهم قوّة عمل ولديهم حقوق وفق الدستور والتشريعات الدوليّة التي تكفل هذا الحقّ، وكذلك الحكومة اللبنانيّة مجتمعة لكون الباخرة لبنانيّة، ووفق القوانين المرعية تعدّ حكماً من الأراضي اللبنانيّة، وللحكومة سلطة عليها ومسؤولة عن حماية الموجودين عليها وعن صحتهم وسلامتهم»، ويشير عبد الله إلى أن «احتجاز هؤلاء العمّال قسري، فإن كان هناك من مخالفات على الشركة والباخرة، فلا يجوز أن يدفع ثمنها العامل».