في سياق الردود والردود المضادة على المقال المنشور في «الأخبار» تحت عنوان «سلامة يمنح الحريري 400 مليون دولار إضافية من المال العام» (العدد ٣٢٥٤ السبت ١٩ آب ٢٠١٧)، صدر أمس بيان جديد عن حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، باسم «المكتب الإعلامي لمصرف لبنان»، جاء فيه:«إن ردّ المُحرر في جريدة الأخبار الوارد في العدد رقم 3255 تاريخ 21/8/2017، قد جاء ضمن سلسلة مقالات امتدت على فترة من الزمن وتهدف إلى التشهير بسمعة مصرف لبنان وتُمعن في إطلاق تحليلات واستنتاجات غير صحيحة، ومنها استعماله للمال العام.

إن مصرف لبنان لم يستعمل الأموال العامة العائدة للدولة إطلاقاً، ولم يحمّلها أية أعباء في أيٍّ من العمليات المصرفية أو الهندسات التي قام بها، كما أنه لم يستعمل أمواله الخاصة لهذا الغرض، وبالتالي كل ما جاء في ردكم مخالف تماماً للواقع.
إن قسماً من المقالات المنشورة تضمّن مراسلات مصرفية مشمولة بالسرية المصرفية المنصوص عليها في القانون الصادر بتاريخ 3/9/1956 كما وفي المادة 151 من قانون النقد والتسليف، وإن مصرف لبنان يحتفظ بكافة حقوقه القانونية لجهة اتخاذ الإجراءات بحق كل من سَرّب ومن اشترك في تسريبها والأسباب التي أدت إلى ذلك، وبحقه بالمطالبة بالعطل والضرر عن الأضرار المادية والمعنوية اللاحقة به».

ردّ المحرر

يضعنا ردّ حاكم مصرف لبنان، مجدداً، أمام نوع من الأحجيات. فهو يقول إن المصرف المركزي لم يستعمل «أموال الدولة العامة» ولا «أمواله الخاصة» في أيٍّ من «العمليات المصرفية» أو «الهندسات المالية» التي قام بها! ولكنه، أي حاكم مصرف لبنان، لا يقول ما هو نوع «الأموال» التي يوزّعها على المصارف ومساهميها وكبار مودعيها ومدينيها؟ وما هي صفتها؟ هل هي نوع من «المشاع»؟ أم أنها تهطل من السماء على خزائن البعض دون غيرهم؟ تكفي الإشارة إلى أن حاكم مصرف لبنان نقل في العام الماضي نحو 5.6 مليارات دولار إلى المصارف وكبار المودعين في إطار ما سُمي «الهندسة المالية». فما هو مصدر هذه الأموال؟ وماذا يسميها؟
بموجب قرارات قضائية واجتهادات عدّة، فإن مصرف لبنان هو «شخص معنوي من القانون العام» (المادة 13 من قانون النقد والتسليف)، وبالتالي هو «مكلَّف إدارة مرفق عام ويؤمن لهذه الغاية تسيير مرفق عام» (قرار مجلس شورى الدولة 15/2/1995)، وهو «إذا قرر منح المصارف الخاصة تسهيلات وقروضاً أو رفضها فإنه لا يعمل كتاجر يسعى للربح بل كشخص من القانون العام» (محكمة التمييز المدنية - بيروت 15/03/1991 والمحكمة الابتدائية المدنية - بيروت 19/05/1988)... كما أن المادة 70 من قانون النقد والتسليف تحدّد مهمة المصرف المركزي بوصفها «مهمة عامة»، تتمثل بـ«المحافظة على النقد لتأمين أساس نمو اقتصادي واجتماعي دائم»، وتتضمن مهمة المصرف بشكل خاص ما يأتي: «المحافظة على سلامة النقد اللبناني. المحافظة على الاستقرار الاقتصادي. المحافظة على سلامة أوضاع النظام المصرفي. تطوير السوق النقدية والمالية»... بمعنى أن القوانين المرعية الإجراء والقرارات القضائية ذات الصلة والاجتهادات تعتبر مصرف لبنان شخصاً عاماً، وبالتالي تعتبر الأموال التي يتصرف بها أموالاً عامة.
في الواقع، ليس هناك أحجيات ولا ألغاز ولا أسرار، وتكفي الإشارة إلى أن الجزء الأهم من الموارد المالية التي يتصرف بها مصدرها الخزينة العامّة، فهو أكبر المكتتبين في الدين الحكومي ويتقاضى أكثر من 1200 مليون دولار سنوياً فوائدَ على هذه الاكتتابات ويستخدمها في العمليات التي يجريها مع المصارف، أليس هذا مالاً عاماً أيضاً؟