تكاد لا توصف فرحة أهالي قرى البقاع الشمالي بانطلاق معركة تحرير جرود رأس بعلبك والقاع من الإرهاب. هي معركة "ثأر" وتحرير أرض بالنسبة إليهم. صور الإرهاب التكفيري لا تزال ماثلة في ذاكرة أبناء المنطقة الحدودية. الانتحاريون الذين تسللوا من جرود السلسلة الشرقية وحوّلوا فجر القاع الى مشهد دموي قاس صيف العام الماضي، كانوا ينتمون إلى التنظيم الذي يدحره الجيش اليوم من جرود رأس بعلبك والقاع.
المسلحون الذين خطفوا من أبناء بلدة رأس بعلبك، ونهبوا آلياتهم من الكسارات والمقالع، واحتلوا أراضيهم ينتمون أيضاً إلى «داعش». معركة الجيش ضد التنظيم الإرهابي في الجرود تعني الكثير لأبناء البقاع الشمالي. منذ انطلاق عملية تحرير الجرود، تحولت القاع ورأس بعلبك إلى ما يشبه خلية نحل، تسعى إلى «رفد الجيش بالصلاة والمعنويات وسائر أنواع الدعم» كما يقول طوني مطر ابن بلدة القاع.
كل على طريقته يحاول دعم الجيش، فالنسوة اخترن إعداد وتحضير الوجبات الغذائية للجنود، كوسيلة للتعبير عن دعمهن "لحامي الوطن»، كما تؤكد سميرة عوض لـ«الأخبار». تنشغل السيدة الخمسينية في توجيه النسوة إلى وظائفهن في توزيع الوجبات وعبوات المياه، "فما نفعله ليس سوى شيء ضئيل جداً لأولئك الذين لا يبخلون بتقديم الدماء والأرواح من أجل تأمين حياتنا بعزّة وكرامة، وتحرير أرضنا والأخذ بثأرنا ممن أزهق أرواح أبرياء من أبناء القاع والبقاع ولبنان بأكمله» تقول. دير السيدة أعلى بلدة القاع والأقرب إلى صوت معارك الجرود هو المكان الذي اختارته نسوة القاع كمقر أقرب لدعم الجيش، «من هون منكون أقرب لولادنا لتقديم كل ما نملك من صلوات وقداديس وشموع. فالقاع أكثر من بيئة حاضنة للجيش وسوف نحتفل بالنصر قريباً بعد تحرير أرضنا وعودتنا لها لاستثمارها»، بحسب إحدى السيدات القاعيات.
خبر استشهاد العسكريين الثلاثة بانفجار عبوة ناسفة في جرود دوار النجاصة بين جرود عرسال ورأس بعلبك، لم يصب أهالي القاع باليأس، على الرغم من الحزن الذي دفع أبناء البلدة إلى وقفة تضامنية مساء أمس في ساحة البلدة رفعوا فيها الأعلام وصلّوا لأرواح الشهداء وأضاؤوا الشموع، وشدّدوا على أن "النصر حليف الجيش والمقاومة والشعب الذي يهوى الحرية" بحسب أحد شبان القاع.
المشهد يكاد يكون نفسه في بلدة رأس بعلبك. نسوة ينثرن الأرز والورود على قوافل الجيش، وخيم لمتقاعدين في الجيش اللبناني نصبت بمحاذاة مراكز الجيش واضعين أنفسهم "رهن إشارة الجيش». راعي أبرشية بعلبك ــ الهرمل للروم الملكيين الكاثوليك المطران الياس رحال اعتبر أن "الإرهاب لن يخيف أبناء المنطقة، الذين سيبقون مزروعين بأرضهم ويدهم بيد بعضهم البعض، فنحن مع الجيش وكل من يحرر الأرض وسنقيم الصلاة قريباً في الجرود احتفالاً بالنصر». كلام رحال جاء خلال لقاء تضامني في كنيسة مار اليان في رأس بعلبك على أثر زيارة من عائلات وعشائر بعلبك ــ الهرمل للمنطقة.
أبناء رأس بعلبك يستعدون لاحتفالات النصر أيضاً، فالحسم "بات قاب أيام أو أدنى»، بحسب شبان من البلدة، اختاروا الوقوف خلف صفوف الجيش لتقديم أي دعم عسكري، "ومنع أي خرق قد يحصل».
قرى البقاع الشمالي تنتظر بفارغ الصبر دحر آخر مسلح إرهابي من جرود السلسلة الشرقية، لإعلان النصر الثاني بعد نصر جرود عرسال وطرد مسلحي "جبهة النصرة" منه.