لا تزال التفاعلات السياسية لمعركة جرود عرسال التي تخوضها المقاومة بالتنسيق مع الجيشين اللبناني والسوري تبرز يوماً بعد يوم. وفيما كانت «الدولة» بغالبية مكوّناتها تؤيّد هذه العملية وتعترف بنتائجها الإيجابية، التزم جزء صغير الصمت كعلامة رضى عن عملية تطهير الجرود من الإرهابيين، فيما استمر جزء آخر بحملة ممنهجة أعادت إلى الواجهة العناوين الإشكالية ذات الصلة بسلاح حزب الله ودوره في لبنان والمنطقة.
وقد كان بارزاً أن المزاج المسيحي بأكثريته ميّال إلى تأييد هذه العملية، وتُرجم تحديداً على لسان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع باعترافه بإيجابية نتائجها على الداخل اللبناني «وإن كان الحزب يقوم بها لمصلحة محوره لا مصلحة بلده».
وقد تركت هذه المواقف المفاجئة في الداخل والخارج علامات استفهام كبيرة حيال خلفياته وما سيترتّب عليه. فقد علمت «الأخبار» أن كلام جعجع أثار استياءً أميركياً، دفع بدبلوماسيين أميركيين إلى الاستفسار عن هذا الموقف الجديد، من بعض القوى السياسية اللبنانية. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار»، وجّه مسؤولون أميركيون «رسائل سلبية إلى معراب» مفادها عدم جواز تصوير حزب الله كمدافع عن أمن لبنان وحامٍ له. وتزامن ذلك مع تحريض شخصيات من فريق 14 آذار على جعجع، من زاوية ضرورة «عدم تمرير هذا الموقف المفاجئ وغير المفهوم، لأن تجاهله يُمكن أن يؤدي إلى عواقب كبيرة».

حرّض لبنانيون الأميركيين على عدم تمرير موقف جعجع المفاجئ


غيرَ أن مصادر معراب نفت لـ«الأخبار» أن يكون جعجع قد تلقّى أيّ عتب أميركي، مشيرة إلى «أننا نتعاطى مع الأمور بما يرضي اقتناعاتنا؛ نحن نؤكد على مبدئية الدولة، لكن إذا قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن حزب الله إرهابي، فليس بالضرورة أن نعتبره كذلك. الخلاف مع حزب الله حول الكثير من الأمور لا يزال قائماً، لكننا بدأنا نقارب الأمور بشكل هادئ بعيداً عن الخطابات العدائية». وأكدت «عدم التراجع عن الموقف الذي لا يحيد عن الثوابت، وكل ما في الأمر أننا تخلّينا عن الخطاب العدائي ومصطلحاته، لأن الأولوية هي للحفاظ على الاستقرار والهدوء وشراكة العهد الجديد».
غير أن «التوضيحات» القواتية، المهاجمة لحزب الله، والتي لمّ تتوقف في اليومين الماضيين، تشير إلى أن القوات وجدت نفسها محرجة من كلام جعجع بإيجابية عن عملية حزب الله، ما دفعها إلى إطلاق تصريحات تبريرية، عقب الاستياء الذي ظهر لدى الأميركيين، وعلى مستوى جزء من جمهورها. غير أن هذه الردود لم تكُن كافية على ما يبدو وغير مقنعة، بدليل أن الحملات على القوات، على وسائل التواصل الاجتماعي، لم تتوقف. ودفع ذلك جعجع إلى الخروج عدة مرات لتأكيد «ثوابت القوات»، فسأل، في تغريدة على «تويتر»: «ماذا ينفع لو ربح الخلاص من جيب للمسلحين في أقاصي أقاصي الجرود على الحدود بين لبنان وسوريا وخسر مفهوم الدولة... وخسر نفسه؟».
ردود فعل
من جهة أخرى، رأى نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم «أننا اليوم خضنا معركةً مهمة وحساسة، ومن اليوم الأول قلنا إنها معركة في الجرود ولا علاقة لبلدة عرسال ولا لمخيمات النازحين بهذه المعركة، وهي تستهدف شذاذ الآفاق الذين احتلوا الجرود وانطلقوا منها لضرب الساحة اللبنانية ولإيذاء السلم الأهلي وللإخلال بالتعايش بين المسلمين والمسيحيين ولإيجاد الفتنة في الداخل»، فيما أكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله أن «النصر في معركة جرود عرسال أسّس لمرحلة جديدة من الاستقرار على المستوى الأمني في لبنان، وهذا الاستقرار هو أيضاً وليد المعادلة الذهبية، وهي الشعب والجيش والمقاومة».
من جهته، أكد المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد أن «المقاومة هزمت عبئاً كبيراً كان على كل لبنان بكل نواحيه». وأوضح السيد أن «ما يحصل من تصريحات لبعض السياسيين مهاجمة للمقاومة فيه كثير من السفالة، ومؤذٍ ومعيب، وما يجري فيه قلة أخلاق». وأكد أن «الشعب اللبناني يعرف أن هذا الشهيد في المقاومة والجيش الذي قتل وفجّر بسيارة مفخخة لم ينوجد أصلاً لو لم يكن تيار المستقبل والقوات مسهّلين لوجود الإرهابيين في الجرود». وأشار السيد علي فضل الله إلى «الانتصار الكبير الذي تحقّق في جرود عرسال، والذي فاق كلّ التوقعات في سرعة إنجازه، رغم صعوبة المعركة»، وإلى «حجم النتائج التي حصدها على المستوى الميداني والالتفاف الشعبي حين تجاوز الجميع كل اختلافهم، وكان صوتهم واحداً في هذه المعركة. وإذا كان من أصوات صدرت، فهي لم تؤثر في هذا المشهد الجامع، فقد وعى اللبنانيون جميعاً خطورة بقاء الأمور على حالها، وتداعياتها على أمنهم، فهذه الفئات الإرهابية التي كانت موجودة على حدود لبنان، هي قنابل موقوتة قد تنفجر في أيّ لحظة وفي أيّ مكان من لبنان».
عون لكاغ: ممارسات إسرائيل عدوانية
من جهة أخرى، أبلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ أن لبنان «ملتزم التزاماً كاملاً بتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته، لأنه يدرك المخاطر المحتملة التي تنجم عن انتهاك هذا القرار»، لافتاً الى أن «إسرائيل لا تزال تخرق الأجواء اللبنانية وتحتل أراضي لبنانية وتقوم بممارسات عدوانية تشكل انتهاكاً صريحاً للقرار الدولي». وأشار الرئيس عون الى أن «مجلس الوزراء قرّر طلب التمديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب، «اليونيفيل»، سنة إضافية»، مؤكداً تعزيز التعاون القائم بين الجيش اللبناني و«اليونيفيل» من خلال زيادة قدرات الجيش وحضوره في جنوب لبنان وفي مياهه الإقليمية.