على غير عادة متبعة، لم ترد من إسرائيل تعليقات عن المعركة التي يخوضها حزب الله لتحرير جرود عرسال من تنظيم القاعدة. التغطية الخبرية للأحداث جاءت مقلصة جداً، فيما لوحظ ــ للمفارقة ــ غياب مطلق لجهة الخبر والتعليق، عن قنوات التلفزة العبرية. «شبه الصمت» هذا يأتي رغم أهمية المعركة وأهمية نتائجها وتداعياتها من ناحية استراتيجية لا تقتصر وحسب على الساحة اللبنانية، بل على مجمل المواجهة القائمة بين إسرائيل والمحور المعادي لها.
إلى الآن، هذه هي مقاربة إسرائيل لمعركة جرود عرسال، التي يخوضها عدوّها الذي حدّدت أنه التهديد الاستراتيجي الأول لها. مقاربة تستأهل التأمل، ولا يبعد أن تكون منطلقاتها مرتبطة بخيبة أمل إسرائيل، جرّاء نجاحه في إنهاء إحدى أهم الركائز الإسرائيلية التي كانت تأمل من خلالها إشغاله عنها: جبهة النصرة، وجود تنظيم القاعدة، الذي يتشارك معها العداء لحزب الله، وتحديداً في الأرض اللبنانية، كان يحمل أملاً لإسرائيل في إمكاناته الكامنة في «إزعاجه» في حدّ أدنى، وإرباكه وبيئته وساحته وتهديدها.
إلى الآن، يبرز في وسائل الإعلام العبرية غياب لافت لمعركة تحرير جرود عرسال. غياب كامل عن التلفزة العبرية، وشبه غياب أيضاً عن الصحافة المكتوبة، مع صمت لافت جداً لمعلّقي الشؤون العسكرية والسياسية الذين يتلقّفون أيّ خبر ومعلومة، بل شبه معلومة، وأيضاً تغريدة منفردة، للتعليق والتوسع في التعليق. اقتصرت المقاربة الخبرية، المقلصة، على المواقع الإخبارية على الانترنت، بلا تعليقات، لكنها جاءت مجتزأة ومنتقاة بعناية، تستأهل الإشارة إليها.

تكتّل معظم
اللبنانيين حول حزب الله يعدّ انكساراً لاستراتيجية إسرائيل


لعل منشأ المقاربة الإسرائيلية هو الخشية من الإضرار بالصورة النمطية التي تسعى إسرائيل إلى إلباسها لحزب الله، بوصفه جهة إرهابية، لا يختلف عمّا هو عليه تنظيم القاعدة أو تنظيم داعش. من هنا، تبرز في التغطية الخبرية تقارير عمدت، على قلتها، إلى تجهيل الجهة التي يحاربها حزب الله في جرود عرسال، مشيرة إلى أنهم «مسلّحون سنّة» ينتشرون على الحدود الشرقية مع سوريا. وتركّز التقارير الخبرية، وإن جاءت مقلصة، على «خسائر حزب الله» وتعداد شهدائه مع تحديثات متتابعة من هذه الجهة تحديداً.
مع ذلك، برزت في الإعلام المكتوب، ومن بينه صحيفة «يديعوت أحرونوت»، تقارير تناولت إطلاق حزب الله صاروخاً متوسط المدى على مواقع «النصرة» في الجرود في اليوم الثاني للمعركة، رافقه شرح وتعليق لافتان. خلفية إبراز الصاروخ، قد تكون مفهومة. وقد يكون فرض نفسه على الإعلام الإسرائيلي، ربطاً بمكانة الترسانة الصاروخية لحزب الله، في الوعي الجمعي للاسرائيليين، بوصفه أحد أعمدة تهديد حزب الله وقدراته المتعاظمة.
مع ذلك، معركة جرود عرسال ونتائجها ستفرض نفسها ــ وإن لاحقاً ــ على المعلقين الإسرائيليين، تماماً كما حدث مع معركة استعادة الجيش السوري وحزب الله مدينة حلب. في حينه، عمد الإعلام العبري ومعلّقوه إلى الصمت الابتدائي. وبعد انتهاء المعركة وإعلان انتصار أعداء إسرائيل فيها، كرّت سبحة التعليقات بوفرة، محذرة من التداعيات السلبية الاستراتيجية لاستعادة حلب، والتهديدات الكبرى التي تؤسس لها، على مستوى الجغرافيا السورية.
قد يكون ردّ فعل إسرائيل على معركة جرود عرسال، لجهة تظهير التعليقات، مشابهاً لردّ فعلها تجاه استعادة حلب: التعليقات تأتي بعد أيام من إعلان الانتصار. وهو انتصار (مع تداعياته) سيفرض نفسه على الاسرائيلي، خاصة أنه ظهّر من جديد قدرات حزب الله القتالية، وعزيمته، وجدارة مقاتليه واستعدادهم، وكذلك قدرته على إدارة معركة في مناطق مفتوحة جردية، بعد أن عاينت إسرائيل قدراته في القتال السوري، في المناطق المدينية.
يضاف ذلك إلى معاينة إسرائيل بأسف وأسى كبيرين ضياع استراتيجية تظهير حزب الله أنه يعمل خلافاً لهويته اللبنانية، التي سعت وشركاءها في الهدف، في لبنان وخارج لبنان، وبشكل حثيث، لإدخالها في الوعي الجمعي للبنانيين، بلا طائل. وهذه إحدى نتائج المعركة وتداعياتها السلبية على إسرائيل. لن يكون خافياً على تل أبيب تكتّل معظم اللبنانيين حول حزب الله، وتأييدهم العارم للمعركة وأهدافها، والاشادة التي قد لا تكون مسبوقة لعامة اللبنانيين، والتي اضطرت معها حتى قيادات جهات لبنانية على خصومة مع المقاومة إلى الإنسياق وراء التأييد، والاضطرار إلى مجاراته. هذه بذاتها تعدّ انكساراً لاستراتيجية إسرائيل في التحريض على حزب الله.