قلة هم الرجال الذين عندما يرتحلون يبقون أشد حضورا في الحياة العامة من كثيرين أحياء يعيشون الموات بكل معانيه. ولعل مصطفى معروف سعد هو من تلك القلة النادرة من الرجال الذين لا يزالون حاضرين في ضمائر الوطنيين الاحرار رغم طول الغياب، مقيماً في وجدان المقاومين ضد الاحتلال وضد الارهاب الظلامي الاسود.
لم يكن ابو معروف في حياته النضالية الا مباشراً في أطروحاته ومواقفه، عنيداً في التمسك بمبادئه وقناعاته وفي انحيازه الى المسحوقين والفقراء. لم يمالىء يوماً او يساوم على اي ثابتة من ثوابته الوطنية والقومية. كان مصطفى سعد اميناً على ذلك الارث النضالي الكبير الذي حمّله اياه والده الشهيد معروف سعد الذي قال له ذات صيف قبيل اشهر على استشهاده: «يا مصطفى اوصيك بفلسطين قضية تناضل في سبيلها من بعدي، وبلقمة عيش الفقراء تدافع عنها في وجه سارقيها ناهبي خيرات الوطن والامة». وأشهد أن ابا معروف ما حاد عن وصية الشهيد الكبير لحظة واحدة، فقد افتدى فلسطين بعينيه حتى انطفأتا، ودافع عن المسحوقين والمقهورين والمعذبين في الارض حتى انقطاع الرمق الاخير.
لقد ارتحل مصطفى سعد قبل خمسة عشر عاما وهو مطمئن الى ان الارض التي قاد يوماً نضال المقاومين الوطنيين من اجلها قد تحررت قبل سنتين من رحيله. ولعل تحرير الجنوب والبقاع الغربي وراشيا عام 2000 قد اطفأ لديه بعضاً من ذلك التوق الفياض الى الحرية، ذلك ان سقوط حزام الخيانة والعار قد قرّب المقاومين اكثر الى فلسطين التي باتت تحت مرمى أحلامهم وبنادقهم ورصاصهم. ففلسطين هي اصل الحكاية، بدايتها ومنتهاها، وهي بوصلة كفاح المقاومين والاحرار في الامة والعالم اجمع، حيث انه من غير فلسطين محررة يبقى اي انتصار عربي، مهما كان كبيراً، منغصاً بذلك الخنجر المسموم المغروس في جيدها منذ نحو سبعين عاماً.
لقد كان حلم مصطفى سعد ان يتوحد العرب خلف راية فلسطين من المحيط الى الخليج وان يكونوا في طليعة احرار العالم انتصاراً لقضيتها العادلة. وكم كان يعزّ عليه ان يسمع هتافات تظاهرات الاحتجاج في غير عاصمة ومدينة في العالم، فيما غالبية العرب نيام او مشغولون بأخبار سباقات الهجن والنوق، بينما سكين الاحتلال يقطع الاجساد الطرية لأطفال فلسطين على مرأى من العالم اجمع.
لقد كان مصطفى سعد قائداً رؤيوياً لناحية استشعاره لخطر القوى الظلامية المتلبسة زوراً ثوب الاسلام، وديننا الحنيف منها براء. لقد ادرك ابو معروف، ببصيرته الثاقبة، ان خطر الارهاب الظلامي يكمل خطر الارهاب الصهيوني. وهو واحد من قلة من اهل السياسة لم يؤخذ بشعارات القوى الظلامية المعادية للصهيونية ظاهرياً والمتممة لمشروعها التفتيتي التقسيمي في الواقع وفي الاساس. فالارهابان يتناقضان في الشكل ويلتقيان في المضمون، كلاهما ارهاب وكلاهما يتوسلان الدين، وفقا لفهمهما، اساساً لمشروعيهما. لذلك كان ابو معروف في طليعة من دعا الى فضح مشروع القوى الظلامية وكشف أهدافها الحقيقية كقوة هدم وتوهين للامة والتصدي لها بكل الاشكال والوسائل.
في ذكرى رحيلك الخامسة عشرة كم نشتاقك مصطفى سعد قائداً رؤيوياً متنوراً، وفارساً من فرسان العروبة وفلسطين، ومناضلاً طليعياً ضد سارقي لقمة عيش الفقراء وأحلامهم في بناء وطن لا مكان فيه لخائن او عميل او مستغل، وطن العدالة والحرية والمواطنة العادلة المتساوية.