«تنفق وزارة الاتصالات 750 مليار ليرة، سنوياً، أي ما يساوي 500 مليون دولار. إنفاق هذا المبلغ سنوياً، يدفع إلى الاعتقاد بأن البنية التحتية لقطاع الاتصالات متطورة وحديثة وتنافس دولاً متقدّمة... إلا أن واقع الحال، أن هناك نصف مليار دولار تنفقها الوزارة سنوياً من دون أن تعرف وجهتها ولا جدوى إنفاقها، ولا نعلم شيئاً عن مردودها سوى أن شبكة الاتصالات متهالكة وغير متطوّرة».
هكذا علّق أحد النواب الأعضاء في لجنة المال والموازنة على المبالغ الواردة في مشروع موازنة وزارة الاتصالات. يقول هذا النائب إن هذا الإنفاق يساوي 42% من حصّة الدولة من إيرادات الاتصالات الصافية، وهي إيرادات لا يدخل فيها ما تنفقه وزارة الاتصالات بواسطة شركتي الخلوي من خلال هيئة المالكين التي تقع تحت سيطرة وزير الاتصالات، أياً تكن هويته.
هذا الواقع، دفع لجنة المال والموازنة إلى تعليق اعتمادات وزارة الاتصالات المحددة على النحو الآتي: 66 مليار ليرة تجهيزات، 91 مليار ليرة إنشاءات أخرى، 5 مليارات صيانة أبنية، 15 مليار ليرة دروس واستشارات، 348 مليار ليرة صيانة أخرى، 225 مليار ليرة إنشاءات أخرى مدرجة بقانون برنامج.
طلبت اللجنة الاطلاع على تفاصيل هذا الإنفاق. فقد بات ملحاً أن تكشف وزارة الاتصالات عن المشاريع التي تسعى إلى تنفيذها وإنفاق كل هذه المبالغ عليها. وهذا الإلحاح لا يقتصر على هذا الأمر فحسب، بل من الضروري معرفة الهدف المراد تحقيقه من هذه المشاريع والأثر الذي ستتركه على السوق وعلى المشتركين وعلى الأسعار ومدة التلزيم وسواها من معطيات سوقية باتت ضرورية قبل كل خطوة في قطاع يتطوّر يومياً.
وبحسب تقديرات وزارة الاتصالات المذكورة في مشروع موازنة 2017، فإن مجموع الدخل المقدر من إيرادات الاتصالات لعام 2017 يبلغ 2880 مليار ليرة (1.910 مليار دولار)، وتبلغ حصّة الرسم البلدي وضريبة القيمة المضافة 264 مليار ليرة، ما يعني أن الرصيد الصافي من الإيرادات يبلغ 2615 مليار ليرة. أما حصّة الدولة من هذه الإيرادات فتبلغ 1784 مليار ليرة، فيما حصّة رواتب وأجور العاملين في الوزارة تبلغ 81 مليار ليرة.

تنفق وزارة الاتصالات 750 مليار ليرة سنوياً من دون تدقيق


إذاً، إن حصّة الخزينة من هذه الإيرادات المقدرة تعادل 1.183 مليار دولار. في المقابل، ستصرف الوزارة على التجهيز والإنشاءات والصيانة مبلغاً يعادل 500 مليون دولار، أي ما يساوي 42% من هذه الإيرادات، رغم أن هذا المبلغ أو ما يوازيه كان مدرجاً ضمن باب إنفاق الوزارة في مشروع الموازنة السابقة وما قبلها أيضاً، ما يثير الشبهات حول هذا الإنفاق الذي كانت نتائجه معاكسة لأوضاع القطاع التعيسة لناحية التغطية والتطوّر ونسب الاختراق والأسعار الباهظة...
والأغرب من ذلك كلّه، أن هذا الإنفاق لا يتضمن ما تنفقه الوزارة بصورة مباشرة عبر شركتي الخلوي. فبحسب المعطيات المتوافرة لدى لجنة الإعلام والاتصالات النيابية، تنفق وزارة الاتصالات ما لا يقلّ عن 500 مليون دولار من دون المرور بأي جهة رقابية، منها نحو 100 مليون دولار تنفق على موظفين ومستشارين يعيّنهم الوزير ويدفع لهم مباشرة من شركتي الخلوي.
محاولات الجراح لإمرار موازنة الوزارة من تدقيق لم تنفع في وقف تصريحات رئيس اللجنة إبراهيم كنعان عن وجود وفر في الموازنة، ولم يتمكن الجراح من إقناع النائب ياسين جابر بجدوى إنفاق هذا المبلغ الذي لا أحد لديه علم عن وجهة إنفاقه، الا الوزير ومستشاريه.
وفق تقديرات بعض نواب لجنة المال والموازنة، المشكلة لا تقع في الإنفاق فقط، إذ إنه رغم كل هذه المبالغ التي يفترض أنها صرفت على تحسين البنية التحتية للقطاع، فإن وزير الاتصالات وبشخطة قلم، منحت شركة واحدة امتيازاً يحقق لها أرباحاً بما لا يقل عن 8 مليارات دولار، وبالتالي بدلاً من إنشاء شركة «اتصالات لبنان» وإجراء تقويم لموجودات هذه الشركة قبل طرح جزء من أسهمها للبيع (على أن تبقى حصة 51% للدولة) لتأمين موارد إضافية للخزينة، تُمنَح شركة واحدة (شركة GDS) هذه الميزة التي كان يفترض أن تحصل عليها الدولة، أي يجري تفريغ أصول الدولة من محتوياتها بقرار وزير!