لم يندرج تخصيص وزارة للمرأة في أولويات عمل الحركات النسائيّة، فلطالما انصبّ نضالهنّ على إقرار الكوتا إحقاقاً للمساواة، وتحريرهن من السطوة الذكوريّة التي تكبّل كلّ مؤسسات المجتمع، سواء السياسيّة أو الدينيّة.
وهو ما تعبّر عنه جمعيّة "كفى" بالإشارة إلى أن "الخوف على تمثيل الطوائف يتخطّى الحرص على تمثيل النساء"، وهو ما تجلّى بتشكيل "حكومة محضّ ذكوريّة، توجّه إهانة مباشرة إلى كلّ النساء". فيما تعيب الناشطة في التجمّع النسائي الديموقراطي المحامية منار زعيتر، أن يترأس رجل وزارة تعنى بشؤون المرأة اللبنانيّة، لا لشيء سوى أن استحداثها لم يكن مخطّطاً له، ولم يسبق برؤية للمشاريع الواجب العمل عليها، وخصوصاً أننا في بلد معروف بخطابه الذكوري المنسحب على أحزابه وكتله وسلطاته كلها، وتصف زعيتر ما يحصل بأنه "ضحك على الدقون، فليس بهذه الطريقة تمؤسس قضايا النساء، في وقت لا تزال فيه أدراج المجلس النيابي مكتظة بمشاريع القوانين العالقة؛ وأبرزها قانون مدني للأحوال الشخصيّة، وحق المرأة بمنح الجنسيّة". في المقابل، ترى رئيسة المجلس النسائي اللبناني المحامية إقبال دوغان أن استحداث وزارة مماثلة هو "خطوة إيجابيّة شرط أن يكون على رأسها امرأة أو رجل معنيين بقضايا النساء والدفاع عنها، ما يضع بيدهم إدارة تنفيذيّة، على أن تتطوّر ويصبح لها مركز وهيكليّة وفريق عمل، لمتابعة هذه القضايا". فيما تؤكّد الناشطة في جمعيّة "نسوية" نادين معوّض أن الإشكاليّة الأساسيّة تكمن في أن "يتبنّى الوزير الوصي على هذه الوزارة قضايا النساء، وأن لا تتحوّل الحركات النسائيّة إلى مواجهة الوزارة المخصّصة لهن، بدلاً من مواجهة نظام يرفض إقرار المطالب مثل حق إعطاء الجنسيّة، وتجريم الاغتصاب الزوجي، وإقرار قانون مدني للأحوال الشخصيّة".

وزير بلا وزارة

يُعرف وزير الدولة (أو كاتب الدولة كما يطلق عليه في بعض الدول) بكونه وزيراً بلا وزارة. هو عضو في مجلس الوزراء ويشارك في التصويت، ولكن في لبنان، غالباً، ما يتم استحداث مناصب وزراء الدولة في سياق المحاصصة، ويبقى هؤلاء، في أغلب الأحيان، بلا مقار ولا فرق عمل ولا هيكليّات شبيهة بالوزارات.

تمثيل المرأة بوزيرة
واحدة أو استحداث وزارة لها
ليس هو المطلوب



هذا الواقع يزيد من حدّة النقد الذي توجّهه الجمعيّات النسائيّة لطريقة التعامل الرسمي معهن. المحامية منار زعيتر، تبدأ من إشكاليّة عدالة التمثيل للنساء، فما حصل "يخالف الوعود السابقة التي قطعت لنا، فتمثيل المرأة بوزيرة واحدة في حكومة ثلاثينيّة ليس التمثيل الحقيقي الذي نطالب به"، يضاف إلى ذلك، "إقصاء النساء عن وزارات تضعها الدولة في أعلى سلّم الأهمّية وتصفها بالأساسيّة والسياديّة، مقابل إعطائها وزارة دولة، تؤكّد التجارب السابقة استهتار السلطة بالتعامل معها عبر قطع التمويل عنها باعتبارها هامشية". أمّا بالنسبة إلى جمعيّة "كفى"، فإن "المشكلة ليست مع وزير عُيّن على رأس تلك الوزارة، لأننا لم نكن نطلب إنشاء وزارة دولة لشؤون المرأة، بل وزارة كاملة مع ميزانيّة وهيكلية وجهاز تخطيطي وتنفيذي وتنسيقي، مطلبنا الأساس من الحكومة هو احترام حقّ المرأة في المواطنة الكاملة عن طريق المشاركة الفعّالة في الحياة السياسيّة، وفي إدارة البلاد في شكل متساوٍ مع الرجل، وفي الحكومة من خلال إدارة نصف الحقائب الوزاريّة".

الهيئة تغني عن وزارة؟

استحداث وزارة دولة لمتابعة شؤون المرأة اللبنانيّة، يلقي الضوء مجدّداً على عمل الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة اللبنانيّة التي أنشئت عام 1998 بموجب القانون 720. بالنسبة إلى الباحثة النسويّة برناديت ضوّ "يكفي تفعيل الهيئة وفق ما تنصّ عليه اتفاقيّة القضاء على كلّ أشكال التمييز ضدّ المرأة (سيداو) لتقوم بما يترتب عليها، من دون أن يكون هناك حاجة إلى استحداث وزارات، بهدف زيادة المحسوبيات والاستفادة من التمويل الخارجي لقضايا النساء، كونها لن تقدّم جديداً أو تعمل على استراتيجيات ومشاريع لم يبادر إليها المجتمع المدني والهيئة"، وتشير ضوّ إلى أن "الإشكاليّة تكمن في عدم وجود قرار سياسي لتبنّي وتمويل وتنفيذ ما يصدر عن الهيئة".
عملياً، انطبع عمل الهيئة لأكثر من عقد بالمساومة مع القوى السياسيّة، وأحياناً التواطؤ معها، وخصوصاً أنها لم تتطرّق يوماً إلى قضايا الأحوال الشخصيّة، وعندما عملت على مشروع يطاول زواج القاصرات، نظّمته بما يتوافق مع الطوائف من دون أن تحرّمه أو تلغيه. وتشير المحامية منار زعيتر إلى أن "سلوك الهيئة لم يكن قريباً من طروحات المجتمع المدني في وقت سابق ولو أنه أصبح أشدّ قرباً في الوقت الراهن"، وتضيف: "هدفنا ليس وضع الاستراتيجيات دون أن يكون لها موارد بشريّة وماليّة، فقط لإسكات المجتمع المدني عن المطالبة بما يحقّق العدالة للمرأة اللبنانيّة ويحقّق تمثيلاً صحيحاً لها، ويشركها في الحياة السياسيّة".

المرأة خزّان انتخابي

خطوة تعيين وزير دولة لشؤون المرأة تبقى خطوة شكليّة لزوم التحضير للانتخابات النيابيّة المُفترضة في الصيف المقبل، إذ تعدُّ المرأة اللبنانيّة خزّاناً مهماً في عمليات الاقتراع، من دون أن يعني ذلك إشراكها في السلطة.
بحسب مشروع "مساعدة الانتخابات اللبنانيّة" التابع للأمم المتحدة، تشكّل نسبة تمثيل المرأة في البرلمان اللبناني 2.3%، رغم أن مشاركتها في الانتخابات تصل إلى 60% من مجمل المقترعين. وتعدّ نسبة التمثيل من الأضعف في العالم، إذ يحتلّ لبنان المرتبة 136 بين 142 دولة من حيث مشاركة المرأة في الحياة السياسيّة بدخول 4 نساء إلى مجلس النواب المؤلف من 128 عضواً، رغم أن القانون اللبناني أقرّ حقّها في المشاركة في الانتخابات ترشيحاً واقتراعاً منذ عام 1953، علماً بأن آخر انتخابات نيابيّة (عام 2009) سجّلت ترشّح 7.1% من النساء، وتمثّلت نسبة 1.3% منهن في البرلمان.
أرقام لا يعوّل عليها كثيراً لإحقاق نهضة في ما يتعلّق بمشاركة المرأة في الحياة السياسيّة، وخصوصاً إذا لم يقرّ قانون انتخابي يؤمّن لها تمثيلاً عادلاً. بحسب المحامية زعيتر، "الحكومة أوجدتها سلطة منفصمة، تستحدث وزارة للمرأة من جهة وترفض إقرار قانون العنف الأسري إلّا مشوّهاً من جهة أخرى، هي حكومة انتخابيّة، ولن يتجاوز عمرها الافتراضي الأشهر الستة، مهمّتها إقرار قانون انتخابي ينصف تمثيل المرأة ويقرّ بالكوتا. من هنا، لا يجوز تحييد الموضوع عبر خلق إشكاليّة جانبيّة تكمن بآلية عمل هذه الوزارة"، التي ترى جمعية "كفى" أنها استحدثت فقط لكون الحكومة ثلاثينيّة أي من باب الحشو.