عندما حاول الرئيس سعد الحريري الانتفاض على واقع أزمته السياسية والمالية، راضخاً لخيار انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، علّ ذلك ينجيه من الهاويتين، أغلب الظنّ أنه لم يضع نصب عينيه كل الاحتمالات. رسم أمامه مشهداً وردياً متسلسلاً، كالآتي: انتخاب الجنرال، وتسميته (أي الحريري) رئيساً للحكومة وتأليفها على عجل، ومن ثم يجعل دخوله إلى السلطة من بابها الواسع، خطوة تدفع المملكة العربية السعودية إلى رعايته وتسوية أوضاعه المادية في الرياض، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على وضعه المتهاوي في الداخل اللبناني.
لكن حظّ رئيس تيار المستقبل العاثر، جعل المكائد السياسية والمالية تترصده من بيروت إلى المملكة. بعد دخول عملية تأليف الحكومة شهرها الثاني، وجد الحريري نفسه يعود إلى النقطة الصفر، مع تكاثر العقد. وما كاد «الشيخ سعد» يدخل في دوامة المفاوضات من جديد، حتى أتاه همّ آخر مرتبط بأزمة شركة «سعودي أوجيه». فقد نشرت صحيفة «الجزيرة» السعودية أول من أمس، إعلاناً مبوّباً لمحكمة التنفيذ في العاصمة السعودية الرياض، من دون توضيح ماهية الحكم وأسبابه، يفيد بأنّه «تعذّر إبلاغ السيد سعد الدين رفيق الحريري بحكم صادر بحقه عن المحكمة، وعليه فإنّها تمهل الحريري مدة خمسة أيّام لحين تنفيذ الحكم، وإلّا سيُصار إلى اتخاذ إجراءات تنفيذية تنص عليها القوانين».

إقفال مستوصف
آل الحريري في أرض جلول ولا صحة للأنباء عن بيع «المستقبل»

وقد جاء هذا الإعلان بعد أيام من نشر موقع «بلومبيرغ» الاقتصادي ووكالة «رويترز»، خبراً يؤكّد أن مجموعة «سامبا» المالية رفضت اقتراحاً من سعودي أوجيه بتجميد سداد مديونياتها، ما أدى إلى توقف المفاوضات بين الشركة ودائنيها الذين يطالبونها بسداد ديون تبلغ 13 مليار ريال (3٫47 مليارات دولار)»، وأن «المجموعة بدأت إجراءات قضائية لاسترداد المديونية»، إذ كانت «تأمل سعودي أوجيه باتفاق على تجميد السداد لمنع الدائنين من الذهاب لمحاكم التنفيذ، ريثما تتفاوض معهم على إعادة جدولة السداد». وتُعد هذه الخطوة بمثابة ضربة بعد حصول حصول الدائن الرئيسي الثاني على أمر من المحكمة للمطالبة بسداد الدين المستحق على شركة الإنشاءات، وكذلك البنك الأهلي التجاري في السعودية، علماً أن المملكة كانت قد أقرّت خطة لدفع وتسوية جميع مستحقات المقاولين المتأخرة، قبل نهاية العام الجاري، وبدأت وزارة المالية السعودية فعلياً بتسليم المستحقات، من بينها شركة الرئيس الحريري».
الغريب أن هذه الخطوات بحق الحريري أتت بعد اختياره رئيساً للحكومة، والحديث المتواصل عن أن «المملكة لا تُريد للشركة أن تدخل في طور الإفلاس»، بالتزامن مع إعلان بيع حصة «سعودي أوجيه» في البنك العربي، البالغة نحو 21 في المئة، بقيمة نحو مليار و200 مليون دولار. إضافة إلى معلومات أخرى تحدثت عن «قرار النظام السعودي الدخول مباشرة على خط الأزمة، لأنه يريد للشركة أن تستمر في عملها بعد إدخال تعديلات جذرية على آلية العمل فيها»، حيث «صدّق مجلس الوزراء السعودي على ما قرره مجلس الشؤون الاقتصادية في المملكة، وما تضمّنه بضرورة المباشرة بصرف المستحقات المالية على القطاع الخاص من الآن حتى نهاية 2016. وهذه المستحقات ستصرف لمصلحة شركات العقارات وشركات تقديم الخدمات العقارية، وخصوصاً الشركات الكبرى في المملكة وأبرزها شركة سعودي أوجيه». مصادر بارزة في تيار «المستقبل» أكّدت صحة خبر الدعوى، لكنها «لا تملك أي مدلول سياسي في توقيت نشرها». وتضيف المصادر أن «كل ما حُكي عن انفراج كبير في موضوع الشركة لم يكُن دقيقاً، ولا علاقة له بسياسة المملكة تجاه الرئيس الحريري». ومن الواضح أن «لا قرار بتأمين غطاء سعودي للحريري كما كان واقع الحال في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، بل يجري التعامل معه كأي رجل أعمال آخر».
وعن الوضع في لبنان، كانت صحيفة «الأنباء» الكويتية قد نقلت معلومات، قيل إن مصدرها نقابة الصحافة، تشير إلى أن هناك «قراراً يجري درسه في تيار المستقبل، لإقفال جريدة المستقبل مطلع العام المقبل، وأن هناك اتصالات مع شركة إعلامية سعودية بشأن إمكانية شراء الصحيفة»، غير أن مصادر في التيار نفت هذا الأمر، مشيرة إلى أن «اللائحة الثانية للموظفين الذين سيصرفون من الجريدة باتت جاهزة، بعد ضغط تعرض له المدير العام لتقليص النفقات». وكشفت المصادر أن «الصحيفة تبحث عن مطبعة للنشر بدلاً من الشرق، وعلى الأرجح تمّ الاتفاق مع مطابع النهار، لأسباب مجهولة». وفي هذا الصدد، أعلن المصروفون من الصحيفة «التوصل إلى اتفاق مع الإدارة على صرف المستحقات». وجاء في بيان أصدروه، بعد عقد اجتماع برعاية وزارة العمل بين لجنة متابعة حقوق المصروفين تعسفاً ومحامي الشركة العربية المتحدة للصحافة مالكة جريدة المستقبل، الذي قدم اقتراحاً جدّياً من جانب الإدارة يقضي بسداد كل المستحقات من رواتب متراكمة وتعويضات قانونية للصرف التعسفي على 3 دفعات، أنه بعد اتصالات جرت مع إدارة الجريدة خلال الاجتماع، جرى التوافق على دفع المستحقات وفق الجدول الآتي: الأولى تشكل 25 في المئة من مجمل المبالغ المستحقة في نهاية الشهر الجاري، أي كانون الأول 2016، والثانية والثالثة على أقساط متساوية للمبالغ الباقية، على أن تدفع الثانية في نهاية كانون الثاني 2017 والثالثة في آخر شباط. من جهة أخرى، علمت «الأخبار» أن رئيس جامعة رفيق الحريري ومسؤول مكتب المساعدات عصام عرقجي، زار الأسبوع الماضي مستوصف أرض جلّول التابع لآل الحريري (في منطقة الطريق الجديدة)، وأبلغ الموظفين فيه أنه آخر يوم لهم في العمل، كذلك ستُقفَل الطبقتان المخصصتان للمساعدات في مبنى الطبش في منطقة عائشة بكار نهاية الشهر الجاري.