اثنتان وعشرون سنة هي «ثمن» الرصاصة التي اخترقت قلب رقيّة منذر عند عتبة غرفة نوم طفليها. فـ«باسم الشعب اللبناني»، أصدر رئيس محكمة الجنايات في جبل لبنان، القاضي هنري خوري، أول من أمس، حكمه الذي ثبت بجملة واحدة أن «محمد حسن منذر. والدته رويدة. مواليد عام 1988» هو قاتل زوجته.
هذا حكم في قضيّة رقية التي بدأت في آذار من عام 2014، لا قرار ظني ولا اتهامي. بل حكم صدر أول من أمس وقضى بتجريم «القاتل» بجناية المادة 547 عقوبات، وهي التي تنصّ على أن «من قتل إنساناً قصداً عوقب بالأشغال الشاقة من 15 إلى 20 سنة»، والمادة 72/ أسلحة، التي أضافت سنتين إلى الحكم... و 180 مليون ليرة لبنانية «بدل العطل والضرر اللاحقين بالجهة المدعية». وأكثر من ذلك، لم ينتهج القاضي خوري نهجاً سبقه إليه زملاء آخرون عندما يقفون أمام عقوبتين، إذ عمل على جمعهما، لا دمجهما. وهذه نقطة انتصار أخرى.
هكذا، صار الحكم 22 عاماً. وإن كان يمكن القاضي أن يكتفي بالعقوبة الأدنى في المادة 547، أي خمسة عشر عاماً، ولكنّه لم يفعل. أخذ أقصى ما يمكن «الوصول إليه» في العقوبة وحكم القاتل بها. وهذا إن عنى شيئاً، فهو يعني أنّ جرائم قتل النساء «على أيادي أزواجهن تحديداً خرجت من كونها جريمة عائلية تخصّ الحياة الشخصية للعائلة إلى جريمة باتت تعطى الصفة القانونية»، يقول المحامي في جمعية كفى عنف واستغلال، عامر بدر الدين. فهذا الحكم يصحّ اعتباره «رسالة اجتماعية أكثر مما هي قانونية»، ولم يعد بموجبه اعتبار مقتل امرأة «ما إلنا فيه علاقة». أكثر من ذلك، يمكن القول في هذا الحكم الذي «كان مشبوكاً بطريقة جيدة ومدروسة، بحيث يمكن القول هنا إن الموضوع انتهى»، يقول محامي الجهة المدعية، سمير أبي رعد.

أول حكم عادل
في سلسلة القضايا التي هزت الرأي العام


شكّل هذا الحكم «صدمة إيجابية» بعد الصدمة السلبية التي خلفها الحكم الصادر عن رئيسة محكمة جنايات بيروت القاضية هيلانة اسكندر في قضيّة منال العاصي، المقتولة على يد زوجها هي الأخرى. فقد قررت اسكندر أن تحاكم الضحية بدلاً من المجرم، بقولها إن «الضحية ارتكبت عملاً غير محق وعلى جانب من الخطورة، هو الخيانة الزوجية». هذا التبرير، الذي لا إثبات عليه بموت منال، أفضى إلى حكم «ذكوري» يعيد إحياء مفهوم «جريمة الشرف» (http://www.al-akhbar.com/node/261457). باستثناء هذا الحكم المجحف في قضية منال، الصادر قبل ثلاثة أشهر، لم يأتِ حكم «بهذه العدالة منذ حادث مقتل رولا يعقوب»، تقول مايا عمار، منسقة التواصل في جمعية كفى. ففي عودة إلى جرائم قتل النساء، التي تقدر بحدود 40 جريمة خلال ثلاث سنوات فقط، «فهذا أول حكم عادل في سلسلة القضايا التي هزت الرأي العام، والذي يحكم على أساسه القاتل بالعقوبة القسوى»، تتابع. هذه هي العقوبة الأقصى إلى الآن «وإن كان قد مرّ قبلها في عام 2010 الحكم في قضية مقتل لطيفة قصير الذي وصل إلى ثمانية عشر عاماً كحدٍّ أقصى مع احتساب مدة التوقيف».
إذاً، هذه هي العقوبة القصوى... بحسب قانون العقوبات اللبناني، وهي أقل ببضع سنوات من العقوبة التي أعيد «ترتيبها» في قانون «حماية النساء من العنف الأسري»، حيث أُضيفت فقرة إلى المادة 547 عقوبات، بحيث تصبح العقوبة «من عشرين إلى خمس وعشرين سنة، إذا ارتكب فعل القتل أحد الزوجين ضد الآخر». أما لماذا لم تُطرح العقوبة وفقاً لهذا القانون ما دامت الجريمة جريمة عنفٍ أسري؟ فلأن «رقية قتلت قبل إقرار القانون بشهر، ولذلك لم يكن ممكناً الحكم على أساسه»، تقول عمار.
مع ذلك، لا يهم. 22 عاماً تبدو منصفة لعائلة مفجوعة. ففي ظل هذه الدولة لم «نكن نحلم بأن نصل إلى هنا»، تقول زينة، شقيقة رقية. ومنذ أول من أمس، تعيش العائلة «صدمة إيجابية، فهذا أول حكم بيعطيها حقها لرقية». تماماً كما هو أول حكمٍ ينصف المرأة في مجتمعها الذكوري. ولكنه يبقى حكماً منقوصاً. تخفّف من وطأة قوته عبارة «غيابياً» التي أرفقها القاضي خوري في الحكم الصادر عنه، حيث لم يحضر المجرم أياً من جلسات المحاكمة أمام محكمة الجنايات، بعدما أخلت سبيله الهيئة الاتهامية منتصف عام 2015. هو اليوم فارّ من العدالة، بسبب تلك الثغرة «القاتلة» في قرار الهيئة الاتهامية في جبل لبنان، التي مرّت عبرها القضية، والذي حمل النقيضين، إذ قضى من جهة بإخلاء سبيل القاتل، وأصدر من جهة أخرى مضبطة اتهام بحقه سنداً للمادة 547، ومذكرة قبضٍ بحقه وسوقه إلى محكمة الجنايات! أما لماذا حدث ذلك؟ فلأن «فرضية الانتحار» بقيت عالقة في ذهن رئيس الهيئة الاتهامية، القاضي عفيف الحكيم. هذه «الفرضية» التي جعلت الحكم المبرم اليوم ناقصاً، برغم عدد السنوات الاثنين والعشرين المحكوم بها.