ليست الحكومة الاولى منذ اتفاق الدوحة يتعثر تأليفها وقتاً طويلاً. لم ينقضِ ايضاً الوقت القياسي للتعثر كي يسجّل السابقة. ليست ايضاً الحكومة الاولى التي يشد بخيوط تأخيرها الافرقاء المسيحيون من دون ان يختبئ وراءهم محرّضون سنّة او شيعة، او في احسن الاحوال يحتمون بهم في سبيل الحصول على مكاسب.
في الحكومات الاربع الاخيرة المنبثقة من اعراف اتفاق الدوحة، لعب الافرقاء المسيحيون دوراً رئيسياً في اهدار وقت تأليفها عندما يريدون المشاركة فيها ويشترطون الحقائب كتكتل التغيير والاصلاح، او عندما يعتزمون مقاطعتها كالقوات اللبنانية وحزب الكتائب. بيد انهم هذه المرة يبدون ــــ وتحديداً التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية ـــــ انهم هم الذين يؤلفونها، يستظلون التطور المهم الذي احدثه انتخاب الرئيس ميشال عون على رأس الجمهورية.
لا تكتفي الثنائية المسيحية بالتمسك بالحقائب، بل ترفع فيتوات ضد افرقاء مسيحيين آخرين، اكثر منها ضد افرقاء في المقلب الآخر. نجح حزب الله في رفع فيتو ضد القوات اللبنانية يمنع حصولها على حقيبة سيادية كما على حقيبة الدفاع، مقدار ما نجح الرئيس نبيه بري في منع تجيير حقيبة الاشغال العامة والنقل من حصته للقوات اللبنانية ايضاً قبل ان يتخلى هو عنها للنائب سليمان فرنجيه.

التيار والقوات غير
مستعدين لانقاص
حقائبهما لسواهما

لم يُتح للقوات اللبنانية كما لحليفها التيار الوطني الحر سوى رفع اصبع فيتو اول في وجه توزير فرنجيه لم يثمر، ثم رفع اصبع فيتو آخر ضد حصوله على الحقيبة التي يريدها، فأخفق ايضاً من جراء الظهير الشيعي للزعيم الزغرتاوي. على ان الفيتو المشترك للثنائية المسيحية، بتمسكها بحكومة الـ24، اقصى حزب الكتائب عن مقعد وحقيبة في آن، وكذلك الوزير المسيحي في الحزب السوري القومي الاجتماعي.
لم تعد المشكلة التي يواجهها التأليف توزيع الحقائب مذ خُتم بعد ظهر الاثنين، وكان حتى ذلك اليوم الذريعة الوحيدة المعلنة، بل باتت المشكلة تكمن في جوهر التأليف: ظاهرها عدد الوزراء، وباطنها استبعاد افرقاء بحجة ان حكومة الـ24 لم تعد تتسع لهم. ما يرويه رئيس مجلس النواب اتفاقه مع رئيس الجمهورية والرئيس المكلف سعد الحريري على قاعدتين رئيسيتين للحكومة الجديدة: حكومة وحدة وطنية، ثلاثينية. تحدّثوا ايضاً عن توقيت معقول لصدور مراسيمها ينتهي قبيل عيد الاستقلال بعد ان يكون الرئيسان ــــ وهما يؤلفان اولى حكومات العهد ــــ تطلبا نحو ثلاثة اسابيع لانجاز التشكيلة. مذ ذاك تشعّب الجدل حيال عقبات يجبهها التأليف ناجمة عن الخلاف على توزّع الحقائب. في الظاهر كانت العقبة الوحيدة المعلنة نيل فرنجيه الحقيبة الوازنة التي يصر عليها. سرعان ما تكشّف جانب آخر في تشكيلة 24 وزيراً كظم وجهاً آخر للخلاف، هو استبعاد متعمد لافرقاء اساسيين في صلب المعادلة السياسية والتوازن الطائفي والمذهبي حتى.
عندما جهر معظم الافرقاء مساء الثلثاء ان الحكومة ستبصر النور في الغداة، كان رئيس مجلس النواب يقول انه لا يتوقعها في الايام القليلة التالية، وليس في الساعات المقبلة. اعاد طرح المشكلة نفسها: حكومة وحدة وطنية تفترض مشاركة الجميع. مغزى ذلك ان حكومة ثلاثينية وحدها قادرة على استقبالهم في عدادها. لم يعد يدافع عن حصة فرنجيه وحقيبته، بل ايضاً عن توزير اطراف آخرين بدا انهم مستبعدون بذريعة ان بطاقات حجز المقاعد نفدت. لا مكان لحزب الكتائب في مقعد ماروني او كاثوليكي، لا مكان ايضاً للنائب طلال ارسلان في مقعد درزي، لا مقعد ايضاً وايضاً للحزب السوري القومي الاجتماعي اياً تكن طائفة وزيره.
ما ابرزته المشكلة الجديدة انها غير قابلة للحل ما لم يحصل توافق عام نظراً الى اصطفاف القوى المحوطة بها: الرئيس المكلف والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية يريدون حكومة الـ24 وزيراً، وبري وحزب الله وفرنجيه وحزب الكتائب يتحدثون عن الحكومة الثلاثينية. اما رئيس الجمهورية، فينسب اليه تارة التزامه حكومة الـ30 وزيراً، وطوراً مجاراة الحريري والثنائية المسيحية.
يقول رئيس المجلس ان اضافة المقاعد الستة الجديدة على حكومة الـ24 يبقيها وزارات دولة مع تعديل طفيف على ثلاث حقائب للقوى الثلاث المستبعدة، من دون ان ان يفقد الفريق الذي يتخلى عن احدى حقائبه في تشكيلة الـ24 مقعداً جديداً في تشكيلة الـ30 اذ توسّع نطاق المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية.
في حصيلة مشاورات الساعات المنصرمة، بدا من المتعذّر اقناع الثنائية المسيحية بابداء مرونة حيال التخلي عن حقيبة في مقابل كسب مقعد بديلاً منها. لا التيار الوطني الحر مستعد لئلا تنقص حقائبه عن تلك التي لدى القوات اللبنانية، وهي الحجة نفسها تتمسك بها الاخيرة كي تقول ان تفاهمها السابق، غير المعلوم، مع التيار الوطني الحر منذ ما قبل انتخاب رئيس الجمهورية يقضي بمساواة حصتها مقاعد وحقائب بحصة حليفها المسيحي. وهما بذلك يظهران ميلاً مباشراً الى حصر التمثيل المسيحي الوازن في الحكومة بهما وحدهما.
بات حلّ المشكلة الجديدة مرتبطاً بالحصة المسيحية بعدما استنفد الثنائي الشيعي ما يسعه ان يتنازل عنه، بينما يضع الرئيس المكلف حصته السنّية بما فيها الوزير الماروني خارج بازار المقايضة. بالتأكيد تحتم الحكومة الثلاثينية على النائب وليد جنبلاط التخلي عن احدى حقيبتي وزيريه لأرسلان بعدما استأثر في حكومة الـ24 بالتمثيل الدرزي.